* القاهرة أ.ش.أ:
ينذر الغزو الامريكي للعراق بدعم بريطاني بأوخم العواقب نظراً لتأثيراته الدراماتيكية المتوقعة على مجمل الخريطة السياسية للمنطقة وبخاصة في فلسطين حيث يسعى الاحتلال الاسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء الجنرال شارون وبلا هوادة لتصفية القضية وابتلاع ما تبقى من أراضٍ فلسطينية.
فالحرب التي أصر الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش على شنها على العراق والمستمرة بضراوة منذ 20 مارس الحالي رغم معارضة المجتمع الدولي تفتح أبواب الجحيم للمنطقة التي تعاني أصلاً من عدم استقرار نتيجة تداعيات فصول مأساة فلسطين المستمرة منذ أكثر من نصف قرن خاصة في ظل هذا التلاقي الحميم بين صقور اليمين المتشدد في قمة الإدارة الامريكية الحالية من ناحية وبين حكومة اسرائيل التى يقودها زعيم كتلة اللكيود اليمينية ارييل شارون.. وامتدادها المتمثل في جماعات الضغط اليهودية الموالية لاسرائيل في الولايات المتحدة من ناحية أخرى.فالحرب التي سعت تلك الإدارة الامريكية بقوة الى شنها على العراق رغم إخفاقها في الحصول على تفويض بذلك من مجلس الامن الدولي تثير تساؤلات خطيرة حول حقيقة المخطط الامريكي للمنطقة ومدى تلاقيه مع مخططات شارون الذي لا يخفي رغبته الجامحة في تكريس الاحتلال الاسرائيلي بقبضة حديدية وتصفية أي هوية أوكيان فلسطيني.
وفي ظل هذا التلاقي الحميم بين صقور بوش وشارون لم يكن مستغربا ان تكشف تقارير غربية عن حرص واشنطن ان يكون اول قرار للنظام الجديد الذي ستنصبه في بغداد بعد الاطاحة بالرئيس صدام حسين سيكون الاعتراف بإسرائيل.
ويثير التلاقي بين صقور الإدارة الامريكية وحكومة شارون واستجابة واشنطن المتكررة لكل رغباته وطلباته.. تساؤلات جدية عن مصير القضية الفلسطينية.. وهي تساؤلات تطرح نفسها بقوة على الساحتين العربية والدولية رغم تأكيدات بوش في الآونة الاخيرة قبيل وبعد شن حربه الضارية على العراق على تعهداته بطرح ما يسمى ب خارطة الطريق التي تمهد لتحقيق التزامه الذي قطعه على نفسه كأول رئيس امريكي بإقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام الى جانب اسرائيل .فكيف يمكن للرئيس بوش ان ينصح ولا نقول يضغط شارون لكي يستجيب ل خارطة الطريق التي انتهت اللجنة الدولية الرباعية من صياغتها قبل عدة شهور مضت، وأصرت واشنطن على تأجيل إعلانها رسمياً أكثر من مرة استجابة لطلب الصديق الحليف شارون.
وبأي منطق يمكن لادارة بوش بعد هذا العدوان الذي شنته خارج نطاق الشرعية الدولية على العراق ان تقنع شارون بتنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي بشأن القضية الفلسطينية.
وهل تستطيع واشنطن ان تطالب شارون بضرورة انهاء احتلاله للاراضي العربية وهي تغزو الآن بوحشية الاراضي العراقية.. وكيف يمكن لواشنطن ان تكرر على مسامع شارون طلبها بعدم الافراط في استخدام القوة ضد المدنيين الفلسطينيين وهي تمطر الآن وفي كل لحظة الاحياء السكنية والاسواق العراقية بوابل من الصواريخ والقنابل.
في محاولة لطمأنة الجانب العربي.. أعاد الرئيس بوش منذ ايام قليلة وعقب قمته في كامب ديفيد مع حليفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التأكيد على انه سيتم قريباً طرح خارطة الطريق على الاطراف المعنية ايذاناً باستئناف المسيرة نحو تحقيق وعده بإقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل.
ورغم تأكيد بوش أمام بليرعلى أنه ملتزم بقوة بتطبيق رؤيته للسلام في الشرق الأوسط.. إلا انه لم يحدد تاريخاً محدداً لنشر خارطة الطريق .وكان بوش قد أعلن وبشكل مفاجئ يوم 14 مارس الحالي وقبيل أقل من اسبوع من بدء حربه على العراق انه سوف يكشف عن خارطة الطريق الخاصة بعملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية والتي طال انتظارها بمجرد أن تقوم السلطة الفلسطينية بتعيين أول رئيس وزراء له سلطة حقيقية.وبالفعل وقع رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في 18 مارس الحالي على التعديلات التشريعية الجديدة الخاصة باستحداث منصب رئيس للوزراء وكلف محمود عباس المعروف ب«أبو مازن» بتشكيل حكومة جديدة.. غير ان الجانب الاسرائيلي عاد ليقول انه لابد من الانتظار حتى يثبت أبو مازن قدرته على ممارسة سلطات حقيقية وبخاصة على الصعيد الامني.وحقيقة الامر ان حكومة شارون لا تروق لها خارطة الطريق للسلام بشكلها الحالي وتحاول أن تضع خطة بديلة تفرغ الخطة الدولية من مضمونها من خلال المطالبة بحذف أي ذكر للدولة الفلسطينية بها.ومن جانبه.. كان شارون قد كشف في يناير الماضي عن موقفه الحقيقي من خارطة الطريق حينما أكد في تصريحات لمجلة «نيوزويك» الامريكية ان الخطة الدولية لاحلال السلام في الشرق الأوسط المعروفة باسم خارطة الطريق يجب ألا توخذ على محمل الجد.. قائلاً انه غير مستعد لقبول مبدأ إقامة دولة فلسطينية إلا اذا سيطرت اسرائيل على حدودها.
وكان بوش قد أعلن لأول مرة عن تأييده لاقامة دولة فلسطينية في يونيو الماضي كأول رئيس امريكي يلزم نفسه باقامة دولة فلسطينية قادرة على الاستمرار موضحاً ان هذه الدولة المستقبلية يجب أن تكون اصلاحية وديمقراطية وتتخلى عن الارهاب .ورغم ان اللجنة الدولية الرباعية التي تضم ممثلي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة قد انتهت منذ بضعة شهور من صياغة خارطة الطريق الا ان ادارة بوش ترددت اكثر من مرة في طرحها رسميا مستجيبة في ذلك لرغبات حليفها الصديق شارون تارة بحجة الانتظار حتى اجراء الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة خاصة ان منافسه الزعيم الجديد لحزب العمل نادى بضرورة العودة للتفاوض مع الجانب الفلسطيني.ويثير التردد الامريكي في مجرد طرح خارطة الطريق علامات استفهام عن حقيقة نواياها خاصة في ظل بشاعة المعايير المزدوجة التي تتعامل بها مع قضايا المنطقة.. فهي تشن حرباً على العراق لمجرد شكها بلا دليل حتى الآن في امتلاكه لاسلحة محظورة بينما اسرائيل تمتلك ترسانة نووية وبيولوجية وكيماوية وصاروخية.
وترفع واشنطن لواء الحرية في العالم بينما تشن غزوا على العراق ولا تبدي ارادة ملموسة في الضغط على شارون ليستجيب لخطة هي التي وضعتها بشكل اساسي لحل المشكلة الفلسطينية .
وتتهم واشنطن العراق بعدم الإذعان لقرارات مجلس الامن وهي التي تستخدم الفيتو للتغطية على ممارسات الاحتلال الاسرائيلي ثم تقرر هي نفسها ان تدير ظهرها لمجلس الامن لانه لم يسايرها في رغبتها الجامحة في ضرب العراق.
ولقد شهد شاهد من اهلها حيث اعترف جاك سترو مؤخراً بازدواجية المعايير في تعامل الغرب مع ملفي العراق وإسرائيل.
|