Tuesday 1st april,2003 11142العدد الثلاثاء 29 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في مقابلة مع وزير خارجية جمهورية ألمانيا الاتحادية: في مقابلة مع وزير خارجية جمهورية ألمانيا الاتحادية:
بريطانيا وإسبانيا تسببان القلاقل لموقفهما المساند لسياسات بوش

أجرت مجلة «درشبيغل» الأسبوعية الألمانية لقاءً صحفياً مع وزير خارجية جمهورية ألمانيا الاتحادية السيد «يوسكافيشر» أكد فيه ان دولاً مثل بريطانيا وإسبانيا قد تسببت بالقلاقل الداخلية بسبب مساندتهما للحرب الأمريكية على العراق.
واستهجن الوزير الألماني الطريقة التي يسمي بها الأمريكان جمهورية ألمانيا بأنهم بسياسات شرودر المعارضة للحرب العراقية قد يكونون من كوكب الزهرة راداً على ذلك بأن سياسات الولايات المتحدة إذن قد تجعلهم أصلاً من كوكب المريخ لأن الواقع الشاق المعاش لا يمكن أن يحل على الطريقة الأمريكية.
در شبيغل: يا سيد فيشر، أثبت سقوط أول قنبلة على بغداد فشل تصورك نهائيا، بامكان نزع السلاح عن العراق بالطرق السلمية، ما الذي أدى الى ذلك؟
فيشر: السبب بمنتهى البساطة ان الموقفين السائدين - هنا نزع السلاح تحت المراقبة، وهناك تغيير النظام بالقوة - لم يسمحا بالتوصل الى حل وسط.
هل كان هذا واقعيا؟
بالتأكيد. كان من الممكن نزع السلاح عن العراق بمزيج مختار من الضغط العسكري والتفتيش والخطوات المنفردة المحددة.لعبة أفكار جميلة، لكن هذا كان يتطلب التخلي عن الأصوات النشاز خلال الحملة الانتخابية والبدء في حوار جدي مع الولايات المتحدة.
وهذا ما فعلته، على أقصى الفروض منذ 18 أو 19 سبتمبر 2001، عندما شرح لي نائب وزير الدفاع الأمريكي، بول ولفوفيتس في وشنطن، بالتقريب كيف يجب أن يكون - حسب رأيه - رد الفعل على الارهاب العالمي.
ومن ثم؟
كان يرى ان على الولايات المتحدة ان تحرر عدداً من البلدان من حكوماتها الارهابية، وبقوة السلاح لو تطلب الأمر. وفي نهاية المطاف يستتب الأمر لنظام كوني جديد، يوفر قدرا أكبر من الديمقراطية والسلام والاستقرار والأمن للبشر.
هذه رؤية مستقبلية أعتقد أنك لا تشاطره إياها كاملة؟
إنني لا استطيع بل ولا أريد أن أتصور أننا على عتبة سلسلة من حروب نزع السلاح. على العكس، علينا أن نعمل على تطوير أدوات الحلول السلمية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة. فلا يجب ان ننتهي وليس في يدنا سوى خيار أحادي فقط، إما أن نترك خطراً جسيما على حالة أو أن ننزلق الى حرب لنزع السلاح. علينا أن نتفادى ذلك. هذه هي مسؤولية السياسة، وهذا ما تسعى اليه أغلبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن. لكن مما يؤسف له أننا الى الآن لم نتوصل الى حوار حقيقي عبر الأطلسي حول هذه القضية.
ولماذا؟
لقد تأخر الأوربيون في المبادرة بالحوار الاستراتيجي فيما بينهم. علينا ان نعرض ذلك الآن. فنحن أمام قضايا البشرية الكبرى: ما هي نوعية النظام الكوني الذي نريد ان نحيا في ظله؟ ما هي أهم عناصره؟ وما هي المخاطر والمجازفات المحدقة بسياسات التدخل التي نتبعها حتى الآن وكيف نواجهها؟
أليس من الأحرى ان الحوار عبر الأطلسي لم يتم لأن الألمان قد ركنوا من جانب واحد الى فرنسا ثم روسيا فيما بعد؟.
لا.
ولأن الحكومة الاتحادية قد حددت موقفها في وقت مبكر وبوضوح، بحيث لم تعد طرفا في عملية اتخاذ القرار الأمريكي؟
إن السؤال الأساسي لهو: هل للدول التي ترتبط الآن ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة تأثير على الاطلاق، سواء سابقاً أم لاحقاً. هل كان علينا فعلا أن نتحول لنسير في الطريق الذي تنتهجه الحكومة الأمريكية؟ ليس في الامكان ان تمثل سياسة أنت غير مقنع بها في قرارة نفسك. ومن هنا فإن الاعتراض الموجه الى المستشار الألماني بأنه قد جعل من العراق موضوعا في الحملة الانتخابية، يتلاشى لاحقا. فمن البديهي أنه كان القضية المحورية في الحملة الانتخابية، هنا وفي بلدان أخرى. وتواجه تلك الحكومات التي تدعم الموقف الأمريكي مشاكل ضخمة تكاد ان تصل الى حد قلقلة النظام الديمقراطي.
هل تقصد بلدانا مثل بريطانيا واسبانيا؟
نعم. لكن هناك شيء آخر مثير للعجب. خذ المكسيك مثلا أو التشيلي أو تركيا حاليا - كلها ديمقراطيات حديثة. يظهر في هذه البلدان عناد الديمقراطية. فالديمقراطية تعني كذلك الرأي الآخر - وفي القضايا الحياتية الأساسية حتى لو كان ضد الدول الصديقة. وهذه تجربة على قدر فائق من الأهمية، تتخطى في مغزاها الفترة الآنية. ويعني ذلك: لو ان في أوروبا آخرين يحملون آراء تخالف آراءنا، فيجب ألا يسبب هذا قلقا أو يؤدي الى اضطراب. بالعكس، إنه مؤشر على النضج.
كما لو أنك ترى في انفصال ألمانيا عن الولايات المتحدة مؤشراً على نجاح الديمقراطية فيها بعد الحرب؟
لا يوجد من يريد الانفصال. فتبقى العلاقات عبر الأطلسي على أهميتها الفائقة بالنسبة لنا. السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما العمل حالة بروز تناقض بين واقع الحلف وجوهره؟ وليس لرغبة منا في ذلك، وإنما لأن أهم حليف لنا يتخذ قرارات نراها على درجة قصوى من الخطورة، لقناعتنا بأنها تسير في الاتجاه الخاطىء.
إذا انتهت حملة العراق نهاية سريعة، قد يؤدي هذا الى حث ادارة بوش على القيام بحملات مسلحة أخرى.
كيف نستطيع ان نحول دون حروب أخرى لنزع السلاح، قد تكون على الأجندة في المستقبل؟
ظهر في النقاش خلال اجتماع مجلس الأمن الأخير ان هناك اجماعا أوروبيا عريضا، على الأقل فيما يتعلق بنقطة واحدة، ألا وهي حاجتنا الى قواعد ومؤسسات دولية تتيح لنا أن نحول، وبفعالية أكثر من الآن، دون انتشار أسلحة الدمار الشامل.
هذا كلام رنينه جميل. لكن مثال العراق يعلمنا ان الدول التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل، عادة ما لا ترغمها إلا القوة العسكرية على نزع السلاح.
أعترض على ذلك. بالنسبة لكوريا الشمالية تمكن كلينتون، الرئيس السابق على بوش، بالأساليب الدبلوماسية، ولفترة طويلة أن يحتوي برنامجها النووي الى أبعد الحدود،وبدون أن يعلم الرأي العام بذلك كاملا. تعقدت الأمور عندما توقفت الحكومة الجديدة في واشنطن عن تنفيذ هذا البرنامج. بل وأكثر من ذلك: أهم نجاح أحرزناه فيما يتعلق بتدمير أسلحة الدمار الشامل لم يتم بالوسائل العسكرية، وإنما على المستوى السياسي بنهاية الحرب الباردة.
على الأقل حالة العراق تناقض نظريتك، فلو لم يقرر الأمريكان أن يخوضوا الحرب في جميع الحالات أو على الأقل، في حالة الشك، أن يلوحوا بخوضها، لم يكن لصدام أن يقدم أياً من التنازلات.
«في حالة الشك» أو «كآخر وسيلة» أو «في جميع الحالات» - كل منها يختلف اختلافا حاسماً عن الآخر. علينا ألا ننسى هذا لأهميته القصوى في هذه القضية. بالتأكيد ان كواليس التهديد العسكري قد تلعب دوراً، لكنها أيضا سلاح ذو حدين، إذ نرى اليوم أنها كانت أكثر من مجرد كواليس. فوراءها تم تجهيز جيش غزو. على كواليس التهديد أن تفرز تهديداً لا أن تشكل آلية تحتم نشوب الحرب، إما بسبب المتطلبات العسكرية أو الخوف من احتمال إراقة ماء الوجه.
لقد أضعفت ألمانيا بناء كواليس التهديد وبإصرار.
لقد حددنا أولويات مغايرة، ما زلت أعتبرها صحيحة. وعلاوة على ذلك فإننا لم نضعف شيئا وإنما قلنا بأننا، ولأسباب وجيهة، لن نشارك في أية أعمال عسكرية.
تجاهلت أمريكا منظمة الأمم المتحدة، بالرغم من أن أغلبية الدول الأعضاء كانت ترفض الحرب رفضا باتاً، هل للأمم المتحدة مستقبل بعد هذا الفشل الذريع؟
انتظر اقتراحاتكم: ما هو البديل؟ فلا النظريات السياسية ولا السياسة العملية تقدم خياراً جدياً، خليقا بأن ينجز ولو مبدئياً، ما تنجزه الأمم المتحدة.
الولايات المتحدة؟
لا، فهذا سوف يثقل كاهل الولايات المتحدة. إن قوتها العسكرية لا تضاهيها قوة، لكنها ستصطدم سياسياً وبسرعة بحدود لن تستطيع تخطيها، إذ ستعالج القضايا من منطقلها القومي، وهناك قناعات عميقة لدى أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأن الحرب هي آخر الوسائل، لا تستخدمها منظومة الدول إلا لو استهلكت كل الوسائل الأخرى، هذا ما أبرزته النقاشات في الأسابيع والأشهر المنصرمة.
لكن هذا لا ينفي أن الولايات هي القوة النظامية الوحيدة المتبقية التي ما زالت قادرة على التحرك عالمياً.
إن قوة الولايات المتحدة عنصر حاسم لاستباب السلام والاستقرار في العالم أجمع، لا يمكن أن يناقشني أحد في ذلك عن جد.. فهذا ما جربته مراراً وتكراراً في النزاعات الإقليمية المتعددة، بل وفي سياق الأمن على مستوى العالم. لكن أي نظام كوني تشكل المصالح القومية للقوة العظمى فيه معيار تعريف استخدام القدرات العسكرية لهذه القوة، سيبوء بالفشل، ففي نهاية الأمر، يجب أن تسري نفس القواعد على الكبار ومتوسطي الحجم والصغار.
إن المحافظين الجدد الذين يتبوءون سدة الحكم في واشنطن سينعتون باحتقار إصرارك الدؤوب على القواعد الدولية بأنه تعبير عن فكر أوروبا القديمة.
كرس أستاذ العلوم السياسية الأمريكي روبرت كيجان هذه الصورة الغريبة، بقوله عن الأوروبيين أنهم من سكان كوكب الزهرة، ساعين نحو حلم السلام السرمدي، بينما الأمريكان أصلا من المريخ، يقفون ثابتين في الواقع الشاق الذي يمثله وكر الذئاب المسمى بالسياسة الدولية، أي حرب الكل ضد الكل، لم يعش، الأمريكان معركة فردان في قارتهم، ولا يوجد في الولايات المتحدة ما يضاهي محرقة أوشفتس أو معارك ستالينغراد أو أي من تلك الأماكن الرمزية المفجعة في تاريخنا.
كلها كوارث، وقفت أمريكا فيها إلى جانب الحق.
أي نعم! وما زلنا حتى اليوم على عرفاننا بالجميل، فالوحدة الأوروبية هي الرد على عصور طويلة من الحروب والمجازر الأوروبية، لكنها لا تشكل الارتداد إلى وهم السلام السرمدي، فالعمل على محاولة فض النزاعات بالطرق السلمية لا علاقة له بالتخاذل أو الخيالات الرومانسية.
إن كيجان لا يتحدث عن الحنين. وإنما عن الضعف السياسي، فالوحدة السياسية الأوروبية مفقودة، كما أن أوروبا لا تشكل قوة عسكرية يعتد بها، فإننا نحن من نسير في الغابة بلا سلاح، مما يثير فينا الخوف.. هذا ما يقوله كيجان.
تكفي نظرة واحدة إلى التاريخ الأمريكي لتثبت عبث ما يقول. بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الولايات المتحدة هي بالفعل القوة النووية الوحيدة الفريدة في قوتها، كان هناك جيل - يسمى «الجيل العظيم» - لديه الشجاعة الخلافة ليس فقط لإيقاف الشيوعية السوفيتية عند حدها، ووإنما أيضاً لإعمار أوروبا على أساس من التعاون والتحالفات، إن الولايات المتحدة كانت دائماً في أوج قوتها، عندما تربط تلك القوة بالائتلافات وتسعى إلى إقرار الأعراف الدولية، التي يقبل بها الجميع.
لا يغير هذا من أن الأوروبيين الذين يراهنون بالدرجة الأولى على القواعد والمؤسسات، هم على الرغم من ذلك - أو لهذا السبب - في غاية الضعف سياسياً.
علينا أن نستخلص النتائج من ذلك.
أي نتائج؟
علينا أن نتحمل قدراً أكبر من المسؤولية.
.. ونتقاسم مع فرنسا حق الفيتو في مجلس الأمن؟
انسوا هذا، هذا ألعاب ذهنية، لا يمكن ترجمتها واقعاً.
ما الذي تقترحه إذاً؟
نحن بحاجة إلى مؤسسات أصلب عوداً، بما في ذلك أن نقوي من شوكة السياسة الأوروبية الخارجية، أو بمعنى آخر: حيثما أخذت الدول القومية بزمام المبادرة منفردة كانت أوروبا ككل ضعيفة، وحيثما توجد مؤسسات مشتركة تؤدي وظيفتها، نرى أوروبا قوية.
معنى ذلك بالتحديد؟
أن نقوي من قدراتنا ونوسع جميعاً من رقعتها، فنحن بحاجة إلى وزير خارجية أوروبي قوي، يجمع في شخصه بين وظيفة خافير سولانا كمندوب سام وكريس باتن كمفوض - شخص واحد له رقم تليفون واحد.
تبدو هذه الفكرة بعيدة تماماً عن الواقع حالياً.
في رأيي أن هذه الفكرة ضرورة ملحة الآن أكثر منها في أي وقت مضى.
هل أنت على استعداد لتقلد هذا المنصب؟
ليس هذا بمهم.. المهم هو..
من يضطلع بهذه المهمة.
شكراً يا سيد فيشر على هذا الحديث.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved