** يمتد.. الليل العربي.. ويطول.. وتتفاقم ظلْمتُه.. وتشتدُّ وحْشتُه، فيفتقد العَرب «شاعرهم» الأثير.. ويبحثون عن «قصيدتهم» الحميمة.
** سيقول «العقلاء» و«الحكماء» و«المحللون».. هذا كلام سخيف، وسيزيد، آخرون، منتقدين، وساخرين: هل أوْدى بالعرب إلى «مهالكهم» إلا عاطفيتهم، ورُومانسيتهم، وزعماؤهم، الدوغمائيون، وشعراؤهم الغاوون؟.
* فلقد، اتهم، عرَب عصريون بتعبيرات «علمية» صارمة، وحاسمة، كلَّ الأشياء الجميلة، والرقيقة في حياتنا بأنها سبب للهزيمة والانحطاط، ولم تنجُ، من لائحة الاتهام، أم كلثوم، ولم ينجُ أحمد شوقي أو صلاح عبدالصبور، ولم تنْجُ نعمة عذبة، أو غزلٌ عذري، أو رومانسية بريئة.
* ماذا أخذنا.. مقابل ذلك؟.
* لغطٌ ثقيل كبير، اشتد زخمُه منذ هزيمة ال67م، وحَميَ وطيسُه منذ حلَّت «الدشَّات» على اسطحة منازلنا، وفي «أحواشها»، واقتحمت، برامج الفضائيات، منتدياتنا، ومخادعنا.
* قالوا لنا، سنفهمكم، ونثقفكم، ونعلمكم، فازددنا جهلاً، وحيرةً وتشويشاً.
* قالوا لنا، سنشرح لكم الماضي، ونحلل لكم الحاضر، ونفتح لكم مغاليق المستقبل، ولكن، لا يزال، أمرُنا، مُستعصياً على «التفكيك» و«التجميع».
* ألقوا علينا، نثراً كثيراً، و«مقالات» طويلة، وقصيرة، وغمرونا، ب«تحليلات» و«حوارات»، وأغرقونا في «مؤتمرات» و«بيانات» وأفسدونا ب«العبارة» الركيكة، و«الجُملة» المبتسرة و«المفردة» الباردة، الباهتة، واعتبروا ذلك كلَّه عِلماً توصيلياً حديثاً، وتعبيراً معاصراً فعالاً، يجب على «المشاهد».. العربي.. أن يتقبله، ويهضمه، حتى لا يعتبره العالم «الآخر»، متخلفاً، أو متبلداً، أو معتوهاً.
* توارى «الشاعر».. العربي.. خجلاً، وتحجبت القصيدة العربية، حياءً، وكادت أن تنقطع تلك العلاقة الروحية الخالدة، بين، العربي، وغذائه الروحي الأثير.
* كادت، أن تكتمل، عناصر المؤامَرة، على «العربي» المظلوم، عندما اجتمع عليه، الدكتاتور الخائب، والمثقف المصطنع الزائف.
* قال له «الدكتاتور» الخائب، سأعطيك الخبز، مقابل الحرية والكرامة، فاغتصب منه الخبز، والحرية، والكرامة، ويكاد، يفقد معها الآن، حتى، الاستقلال الوطني.
* وقال، له، «المثقف» المزيَّف، المصطنع، ادْفن، عاطفتك ورُومانسيتك، و«شاعرَك» و«قصيدتك»، وسأعطيك «العقل» و«النهضة» و«العلم» و«التقدم»، فكانت عملية نصب كبيرة، تشبه قصة «الصعيدي» الذي اشترى (التروماي)، في ميدان «العتبة» على مرْأى ومسمع من الحشد الكبير.
* ولكن، اذ يشتد، القصف، وتتراكم السحب الداكنة، وتنحني الظهور، مثقلة، بالأحداث، المذلة، المهينة، ويعلو اللغو، والضجيج، يأوي، العربي، إلى ركنه البعيد، ويلجأ إلى ظلال نخلته القديمة، ويحتوي، بردائه، وأعطافه، جذوةً، نقية، أصيلة، ذاوية، ثم يتلفت، يميناً، ويساراً، ويستطلع، أفقاً بعيداً، ويهتف هتافاً، خافتاً أليماً، يناجي (شاعره) الغائب و(قصيدته) المحتجبة.
* يظل في «الضمير» وفي عُمقه، ميثاق عهد مقدس قديم، بين «العربي» و«قصيدته».
* إذا، افترقا، زمناً،فانهما، يوماً، لابد، أن، يلتقيا.
* ولأن الشعر العربي، تعبير خالد، أزلي، يختلط بالدم العربي، ويتأصل في «جينات» العربي، فلابد أن يستصرخا بعضهما، في اليوم العصيب، ولابد، أن يشرقا على آفاق بعضهما، في الزمن الكئيب.
* نستصرخ «القصيدة».. الجدَّة، أن تنبعث من رقادها لتدفئ، بلمساتها، أبناءَها البارين، المرتعدة، فرائصهم في الزمن الصقيعي.
* ونستنهض (الصقر) العربي.. الشاعر، أن يحلق في سمائنا.. فيُؤنس. شيخنا العربي، في ركنه البعيد، ويُلهب، برفيف أجنحته.. جذوته.. الأصيلة. الذاوية..
|