أين هي الديمقراطية التي تعلمها وتثقف بها البشر، وعرفها المثقفون جيدا بأنها (أياد تعمل وتبني وتشيد، وتحتاج إلى العلماء والخبراء والدارسين والباحثين، وشعوب تشارك وبرلمان يحاسب وصحافة تنتقد، وحوارات ومناقشات بين السياسات المختلفة، ولابد أن تتسع للجميع وتحترم الجميع على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم وانتماءاتهم والحاكم الديمقراطي يفكر قبل أن يقرر وعندما يقرر يكون قراره هو لسان الملايين من البشر...)
ولكن ماذا نرى في تلك الديمقراطية الأمريكية..؟ ترعى منطق الهدم والدمار، وقرارات الرجل الأوحد والقائد الأوحد، والمفكر الأوحد، وبرلمان أوحد..
فهو العملاق الوحيد والباقون أقزام وهو الحر الوحيد والباقون من العبيد، وهو الحق الوحيد ومن يخالفه عدو ينتمي إلى الإرهاب.
إنه سلوك متغطرس، بغرور القوة، ويطبق الدكتاتورية، بكل المعايير والمقاييس.. الفاقدة لكل شرعية ولكل إنسانية.
إن أمريكا عليها أن تفكر جيدا وتعيد 29 مليون دولار طرحتها في الشرق الأوسط للإصلاحات الديمقراطية، لأنها أحوج ما يكون لها لتصلح من ديمقراطيتها أولاً.. التي لم يبق من مفهومها شيء.
ولا أفهم كيف يتم طرد طلاب مراهقين في المرحلة الثانوية بقرار رسمي من المدرسة، والسبب ليس قيامهم بأعمال عنف أو شغب ولا لأنهم حملوا سلاحاً أو عصياً ولا حتى لأنهم قاموا بمظاهرة أو صرخوا، لكن لأن أحدهم وهو الأمريكي (بريتون باربر) عبر عن استيائه من بوش كما حدث الشيء نفسه مع الطالبة العربية يسرى عوادة 17 عاما لأنها ارتدت قميصاً مرسوماً عليه العلم الفلسطيني.. إنها أحد النماذج لما يحدث كل يوم في أمريكا.
ولا أفهم كيف صرح المسؤولون الأمريكيون علانية في 27 فبراير الماضي بواشنطن بأن «2000» شخصية من النخبة العراقية وضعتهم امريكا في قائمة، فإن تعاونوا معها كما تريد ومصالحها سلمتهم مقاليد الأمور بعد الحرب وإسقاط نظام صدام في العراق وإن لم يتعاونوا معها كما تريد تماما فستعتبرهم «مجرمي حرب» وسيعتقلون ويحاكمون، فأي ديمقراطية تلك التي تحول البطل لمجرم حرب ومجرم الحرب إلى بطل وفقا للأهواء الأمريكية لا للأدلة الملموسة.
وأي أنواع الديمقراطيات تلك التي تطلق مصطلح «الاعتدال» على كل ما وافق هواها وما عدا ذلك هو تطرف.. فمن كانت تلقبهم أمريكا في الماضي بالأبطال المجاهدين لأنهم خلصوا أفغانستان من الروس وتسببوا في تفكك الاتحاد السوفيتي أصبحوا الآن رمزاً للإرهاب.
وأي ديمقراطية تلك التي ترفض استقبال وفد ممثل لجامعة الدول العربية يتزعمه أمينها العام، ولم تتنازل لأن تستمع إليهم وإلى مطالبهم ومقترحاتهم من أجل السلم.
وأي ديمقراطية تلك التي نشرتها (صنداي تايمز) في عددها ليوم الاحد 26 يناير 2003م بأن تتولى قوة بريطانية قوامها 15 ألف جندي بريطاني إدارة العراق أمنياً بعد الحرب، بينما تتولى أمريكا إدارة النفط.
وأي ديمقراطية تلك التي ترمي بمئات وآلاف البشر في جوانتانامو وفي السجون دون تهم محددة ودون الحد الأدنى من الأدلة، واختراع مصطلح «الأدلة السرية» لتبرير الظلم والقهر والاعتداء السافر على جميع حقوق الإنسان التي من أبسط متطلباتها حق البشر في أن يعيشوا بكرامة وبأمان.
وتطالب من بعض الدول العربية إصلاحات سياسية في الداخل، بينما هي في أمس الحاجة إلى تلك الإصلاحات..
نحن لدينا شريعتنا الإسلامية وقوانينها الإلهية المنزلة والمنزهة عن كل غفلة وعن كل هفوة الصالحة لكل زمان ومكان، وهي كفيلة دائما بأن تحفظ حقوقنا وتصون كرامتنا.. ولسنا بحاجة إلى إملاءات مستوردة تتضمن شعارات طنانة ورنانة مفرغة من مضمونها ومن محتواها تماما.. فكفانا ما نرى على أرض الواقع من ديمقراطية أمريكية ومن تداعياتها على منطقتنا.. فمتى تترك أمريكا والغرب شعوبنا تعيش بأمان وسلام..؟
لقد بات يعلم العالم أجمع ما هي الديمقراطية الأمريكية جيدا، وعرفها المثقفون الشرفاء جيدا أيضا بأنها قمة الدكتاتوريات.
|