Sunday 30th march,2003 11140العدد الأحد 27 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
لفظة وحرب..!
د. فارس محمد الغزي

وفق مضامين قول العرب تمثلا:« رب حرب شبّت من لفظة».. يشيع لحظتنا التاريخية هذه ما يشبه التنابز بالالقاب بين بعض الدول الاوروبية من جهة والولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى، هذا وقد أحسنت جزيرتنا صنعا في نهجها المتمثل في إلقاء الضوء - غير المباشر - على هذه الظاهرة او الحرب الإعلامية غير المعلنة بين الاطراف المذكورة، على سبيل المثال فقد نشرت جريدة الجزيرة منذ فترة قريبة - نقلا عن هيرالد تربيون انترناشيونال - مقالة مترجمة لمسؤول استخباراتي غربي بعنوان:« سياسة امريكا هي التي تمثل العالم القديم»، كما نشرت مجلة الجزيرة في احد اعدادها مقالة لاحد كتاب اللوموند الفرنسية محورها الموضوع ذاته بعنوان « من يريد الحرب فعليه تحمل العواقب»، وهاتان المقالتان - ضمن العديد مثلهما - يجسدان ردات الفعل الاوروبية تجاه نهج الوصم والتحقير الامريكي الذي لايفتأ يذكر دول القارة الاوروبية المناهضة للحرب ضد العراق بماضيها القديم بكل ما يعنيه ذلك من حيثيات ومضامين وإسقاطات تاريخية.
تجدر الاشارة الى ان غالب ما ورد في هذا المنحى من مقالات الكتاب الاوروبيين قد تمحور حول تبيان حقيقة كيف ان امريكا قد - رمت - اوروبا «بدائها وانسلَّت» وفق ما يقوله المثل العربي القديم، وثمة خلفية تاريخية لغضب الاوروبين من توصيف قارتهم بالقدم: فوصمة «اوروبا القديمة» ليست وليدة لحظتنا التاريخية الآتية بمعنى انها ليست نتاجاً للظروف الدولية القائمة بل إنها تعود في حقيقتها الى فترات ما قبل الحرب العالمية الاولى حينما كانت اوروبا غارقة في اوحال حروبها الاستعمارية والاقليمية، فلا غرو ان اعتاد الامريكيون حينذاك كما يوضح العالم الغربي الشهير «هانز جواس» في مقالة علمية حديثة قرأتها باللغة الانجليزية.. على النظر الى ولع اوروبا بالحروب بوصفه نتاجا للوحشية الاوروبية الغريزية وامتدادا كذلك لمخلفات عقلية الاقطاع الاوروبي المتخلف فضلا عن كونه دليلا على تدهور وشيخوخة دول القارة المعنية.
ولاشك في ان امريكا كانت حينها بريئة بالفعل من كافة اشكال التورط في اية حرب خارج حدودها، وحقا قد كانت فترة تاريخية مضيئة من تاريخ امريكا تمنحها الحق في إطلاق هذه الوصمة في الماضي، اما الآن وقد فعلت - امريكا مالم تفعله تاريخيا دول اوروبا، فالامر يبدو غريبا بل عيبا من فصيلة عيوب «النهي عن الخلق وإتيانه»، ومصدر هذه الغرابة هو انقلاب الادوار وبقاء التوصيفات على حالها مع ان تبادل الادوار يستلزم بدهيا تبادل الالقاب المشينة والوصمات المشتقة من لدن هذه الادوار، بمعنى اوضح وأوجز: هاهي امريكا التي سخرت من النزعة الحربية لدول قارة اوروبا في السابق ووصمتها بسبب ذلك بالقدم والتخلف القرواوسطي.. اقول هاهي تفعل اليوم ما احتقرت بسببه - ذات يوم - غيرها بل تفعل اكثر من ذلك.. وأسوأ منه!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved