* القاهرة مكتب الجزيرة عثمان أنور علي البلهاسي:
رغم توالي القصف الجوي الأمريكي والبريطاني على العراق وتعرض بغداد لانفجارات عنيفة وتدمير مبانٍ وقصور وانهيارات متتالية لأم القصر والفاو إلا ان الخبراء العسكريين يؤكدون ان المعارك الأكثر شراسة لم تبدأ بعد وان الحرب الحقيقية هي الحرب البرية وخاصة حرب المدن .
ومصطلح حرب المدن احد المصطلحات العسكرية التي برزت اكثر على سطح الأحداث منذ بداية الضربات الجوية وحتى ما قبلها فالجميع يترقب هذه الحرب ويؤكدون انها العامل الحاسم و هي ما تنتظره القوات العراقية وتتجنبه القوات الامريكية والبريطانية .. يؤكد على ذلك ما اوضحته بغداد قبل اندلاع الحرب من انه سيتم سحب قوات الحرس الجمهوري القوية الى البلدان والمدن لجر اعدائهم الى اشتباك لا يمكن التنبؤ بنتائجه، كما اكدوا انهم لن يحاربوا في الصحراء وانما في بغداد .. فهل حرب المدن حقيقة ام مناورة؟.. وهل تتجنبها القوات الأمريكية والبريطانية ام هي واقع لابد من التعامل معه؟ .. وماذا تكون نتيجتها؟ . حول هذه التساؤلات استطلعت الجزيرة آراء نخبة من الخبراء والمحللين العسكريين .
يؤكد اللواء زكريا حسين عميد أكاديمية ناصر العسكرية الاسبق ان صدام حسين على استعداد لتحمل أي قدر من الخسائر المادية والبشرية لاطالة امد الحرب وعلى استعداد لدفع أي ثمن لعرقلة خطط تقدم القوات الامريكية باتجاه العاصمة بغداد وكلما طال زمن التقدم وزمن حصار العاصمة سيؤدي ذلك الى إصابة المجتمع الأمريكي والبريطاني بشروخ وانقسامات ولعل الانقسامات التي بدأت قبل الحرب في بريطانيا جعلت موقفها مؤثراً ويواجه توني بلير معارضة شديدة وفي مقابل ذلك يعمل الرئيس بوش على الوصول بالحرب الى نهاية واضحة وهو اكثر إصرارا وعنادا ويعمل على تخطي الصعاب من اجل الوصول الى نهاية للحرب.
ومن هنا ستكون حرب المدن هي الفيصل الاخير في هذه الحرب ولاستدراج القوات المتحالفة في هذه الحرب عملت القيادة العراقية منذ البداية على تقسيم العراق الى اربع مناطق عسكرية وادارة العمليات العسكرية بصورة لامركزية وذلك لمواجهة عقبات قطع الاتصالات وقطع خطوط الامداد والتموين وكذلك تركيز الخطوط الدفاعية وتعميقها والاستفادة من العوامل الطبيعية والجغرافية واضافة لذلك فان العراقيين يدركون ان المعركة الرئيسية ستدور حول العاصمة بغداد لذا تأتي الكثافة العسكرية وفرق الحرس الجمهوري الموالية تماما للرئيس العراقي كما تم نشر قوات الحرس الخاص في المواقع الدفاعية الاقرب للمناطق الحيوية، كما ان حفر الخنادق الدفاعية حول العاصمة وملئها بالمواد القابلة للاشتعال من شأنه ان يعرقل القوات الى حين ولكن ليس كل الوقت.
وبالرغم من تخلف تسلح القوات المسلحة العراقية وتراجع مستويات كفاءتها فانها قادرة على الصمود لفترة ليست بالقصيرة واطلاق كميات هائلة من النيران اذا ما وجدت قيادة مؤهلة ومثابرة على الصمود.
في مواجهة ذلك نجد السيناريو الامريكي البريطاني اكثر وضوحا حيث تقوم القوات الامريكية والبريطانية بتشكيل مجموعات متكاملة تقوم بشل وقطع شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية واحداث حالة من الفوضى في المجالات العسكرية والمدنية وعزل القيادات عن القوات وربما تأتي عملية خداع كبيرة في هذا المجال منها ايهام القيادة العراقية بان هناك قوات عراقية كبيرة تقوم بالاستسلام والاعلان عن استسلام بعض المدن والسيطرة على الموانئ كما اعلن في ميناء ام القصر والفاو، كما ان القصف الجوي المكثف من شأنه ان يبيح الفوضى وتمتلك القوات الامريكية والبريطانية أسلحة متطورة وحديثة تمكنها من تحقيق ذلك وخاصة انها ستؤدي لعزل المدن عن بعضها بقطع وشل كافة تحركات الإمدادات والعربات المصفحة والمدرعات والدبابات اليها حيث تقوم القاذفات والصواريخ بضربها اثناء سيرها على الطريق فلا تستطيع مواصلة الحركة وهو الامر الذي قدَّرته القيادة العراقية فقررت تسيير عر باتها ومدرعاتها الى المناطق قبل بداية الحرب ,
كما تقوم القوات الامريكية والبريطانية بتوجيه الضربات المكثفة لتدمير كل مصادرالنيران العراقية التي يتم تحديدها اولاً بأول وفي هذا تعتمد في نشاطها على حركة الاستطلاع والاقمار الصناعية بعد ذلك تأتي القوات البرية التي تتخطى الحدود والفواصل النيرانية ويتم احتلال المدن ثم محاصرة بغداد بعد ذلك تقوم مجموعات تكون مهمتها العثور على صدام حسين او تحديد مكانه .
القوات الامريكية ستتجنب اختراق المدن او اقتحامها بالرغم من قذائف الصوت التي تستهدف تفكيك جماعات المقاومة سواء بالمواقع الدفاعية او داخل المدن وبالرغم من ذلك ستحرص القيادة الامريكية الا تدخل العاصمة بغداد الا في ظل إجراءات تأمين هائلة .
حرب أفراد
ويرى الخبير العسكري اللواء عبد الرحمن الهواري انه فيما يقوم القادة العسكريون للقوات الامريكية والبريطانية بشن هجوم كاسح على العراق الا انهم مدركون ان العراقيين يتحصنون بالمدن وخاصة العاصمة بغداد وعلى ذلك هناك من يرى ان بغداد ستتعرض لحصار خانق وطويل لاجبار من فيها على الهروب من خلال تدمير يومي لاجزاء العاصمة العراقية الا ان ذلك لا يمنع الجانب العراقي من الحركة وخاصة امكانية قيامه باعادة تمركز قواته في جماعات صغيرة تقوم بشن حرب عصابات ضد القوات الغازية على الطريق المؤدية لبغداد وانزال خسائر فادحة في صفوفها والعمل على اطالة امد الحرب وامد الدفاع عن العاصمة يضاف الى ذلك الخشية من استخدام صدام للاسلحة النووية في حالة اقتحام بغداد ورغم ان هذا الامر يبقى في ظل التشكيك الا ان مجرد الخوف من ذلك يطيل امد الحرب ايضا هناك الدفاعات القوية في المدن فأم القصر والفاو والبصرة تتناقض الانباء حولها ورغم ذلك وباعتراف القوات الامريكية والبريطانية ان هناك دفاعات لم تتم السيطرة عليها واحتلالها والتمركز فيها خلال اليوم الاول والثاني في بداية الحرب كما سبق وقال الامريكيون فالمؤكد ان هناك دفاعات قوية تحيط بالمدن وخاصة بغداد استعدادا لحصار طويل وربما تكون بغداد نقطة تحول في الحرب فالمعركة سوف تكون اهم واخطر المعارك فلن يستسلم الحرس الجمهوري بسهولة وسوف يخوض حربا دموية بينما يعوِّل الغزاة على استدراج المدنيين من خلال عزلهم عن القوات العراقية او ضربهم للهروب ومن اجل تحقيق عزلهم عن القوات قامت الطائرات الامريكية والبريطانية بالقاء منشورات تحث على الهروب وتحث العسكريين على عدم اطاعة قوادهم .
فامريكا تدرك جيدا خطر الوقوع او الخوض في حرب المدن او حصار بغداد لفترة طويلة وتعمل على اتمام هذا الامر سريعا لانه لو طال الامد اكثر من شهر فان هناك خسائر كبيرة تقع في صفوف القوات الامريكية والبريطانية وربما ينقلب الامر ولعل المقاومة العنيفة لبغداد هي التي حدت ببوش بقوله ان الحرب ستكون طويلة وخطيرة .
وفيما يؤكد الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس اركان القوات المسلحة المصرية عام 1973 انه تم تخصيص 8 فرق مشاة للدفاع عن المدن ذات الاهمية الخاصة الموصل فرقة وكركوك فرقة مشاة وتكريت صلاح الدين فرقة مشاة، والناصرة فرقة مشاة والبصرة فرقة مشاة للمدينة وفرقة اخرى للميناء البحرى والمطار وباقي المدن يتم الدفاع عنها بواسطة الميليشيات.
وتقوم هذه الفرق بالتصدي لخطوط مواصلات العدو وهو امر في غاية الاهمية حيث تخصص 3 فرق مشاة للتصدي لخطوط المواصلات بمعدل فرقة واحدة لكل محور من محاور القتال حيث تقوم كل فرقة بتشكيل مجموعات قتالية مسلحة وبزرع الالغام المضادة للعربات .
ويتوقع الشاذلي عدم قدرة القوات الامريكية والبريطانية على اقتحام بغداد واحتلالها بسهولة لان اسقاط النظام العراقي لا يمكن ان يتم الا اذا استطاعت القوات البرية ان تقتحم بغداد وتحتلها ومن هنا يتم التركيز على الدفاع عن بغداد فهي التي ستحدد النجاح او الفشل .
ويؤكد الدكتور محمد قدري سعيد الخبير في الشئون العسكرية بمركز الاهرام للدراسات ان واقع القصف الجوي المكثف على بغداد منذ بداية الحرب يؤكد ان القوات الامريكية والبريطانية تتجنب الدخول في حرب المدن او اطالتها لانه في حالة فشل المحاولات الامريكية ودخولها المدن العراقية فانها ستخسر كثيرا ولن تكون العراق افغانستان اخرى، فالجيش العراقي منظم ويضع خطته الرئيسية على الحرب داخل المدن التي قد تصعِّب الحرب على القوات الامريكية والبريطانية وتطيل امدها وهذا ما يبغيه العراق لان الحرب داخل المدن ستتحول الى حرب ضد افراد ومجموعات صغيرة لتجد امريكا نفسها في فيتنام اخرى
معركة صدام الكبرى
ويرى احمد ابراهيم المحلل العسكري وخبير الشئون العسكرية بمركز الاهرام ان ما تفعله الولايات المتحدة حتى الان هو محاولة الضغط بشدة على الزعماء العراقيين وقوات الجيش للاستسلام ورحيل صدام كفرصة اخيرة وتحاول واشنطن ولندن بذلك تجنب الدخول في حرب شوارع في المدن العراقية خاصة بغداد التي يعتبرها صدام «مقبرة الغزاة» على حد تعبيره وقال ان حرب المدن او الشوارع هي السلاح الاخير في يد صدام حسين والورقة الوحيدة التي يمكن ان يلعب بها لاطالة امد المقاومة واحتمال تكبيد القوات الامريكية والبريطانية خسائر تكفي لتأليب الرأي العام في امريكا وبريطانيا على بوش وبلير وللضغط لوقف الحرب خاصة اذا نجح النظام العراقي في اطلاع العالم على حجم الضحايا المدنيين واشار ابراهيم الى ان ما يدعم التكهنات بمراهنة صدام على حرب الشوارع باعتبارها معركته الكبرى ان القوات الامريكية والبريطانية لا تواجه مقاومة كبيرة اثناء توغلها في جنوب العراق وفي الوقت نفسه تشهد شوارع بغداد انتشار جنود مسلحين بالمدافع المضادة للدبابات واسلحة المقاومة ولا شك ان الجانبين يدركان ان سقوط بغداد يعني نهاية الحرب وانتصار القوات الامريكية والبريطانية ولذلك فالخطط الامريكية تركز على الوصول باسرع وقت الى بغداد وحصارها واسقاطها او القضاء على الرئيس العراقي صدام حسين حتى تنهار المقاومة بسرعة ويسهل تحقيق النصر دون خوض حرب المدن التي لن تكون باى حال من الاحوال في صالح القوات الامريكية والبريطانية . واضاف: يبدو ان المسئولين في لندن وواشنطن يدركون خطورة الدخول في حرب شوارع ولذلك بدؤوا في اعداد الرأي العام في البلدين لتحمل خسائر بشرية وتراجعوا عن تصريحاتهم السابقة بان الحرب ستكون سريعة وسهلة .
وتبدو المسألة اصعب بالنسبة للامريكيين والبريطانيين في ظل عدم حدوث الصدمة والانهيار والاستسلام السريع الذي كانوا يتوقعون حدوثه في صفوف الجيش العراقي مع الضربات الجوية الاولى والتي زادت من معاداة الشعب العراقي للقوات المعادية بسبب الخسائر المدنية ولعل المشاعر المعلنة من المواطن العراقي عن الاستعداد للدفاع عن بلاده حتى الموت تعطي للقوات الامريكية والبريطانية الف سبب للتفكير اكثر من مرة قبل خوض حرب الشوارع ولعل دعوة حركة حماس الاخيرة للشعب العراقي باستخدام اسلوب العمليات الاستشهادية ضد القوات الغازية يصب في نفس الاتجاه ويجعل من حرب المدن جحيما محتملا تنتظره القوات الامريكية والبريطانية .
مرهونة بعدم الانهيار
ويقول الدكتور محمد عبد السلام خبير الشئون العسكرية بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان احد الافتراضات الاساسية التي بنيت عليها خطط الحرب الامريكية هو ان انهيارا كبيرا سيحدث داخل الجيش العراقي في مرحلة ما من العملية العسكرية ولذلك فهناك تقديرات ان تستمر الحرب ما بين 6 ايام الى 6 اسابيع وهذه التقديرات تستند على تصورات معينة بحدوث انهيار وليس استمرار الحرب.
واضاف ان اهداف الجيش العراقي تستند على محورين اولهما اطالة مدة الحرب لاطول فترة ممكنه والثاني جر القوات المعادية لحرب مدن وشوارع بحيث يوقع في صفوفهم خسائر فادحة وهناك تحسب امريكي لاحتمال حدوث ذلك وهي تحاول تلافي الدخول في حرب مدن بالذات لان تجاربها في ذلك لا تشجع على الدخول فيها ولذلك فهي تستخدم كل وسائل الضغط والحرب النفسية على ضباط وجنود وقيادات الجيش العراقي حتى يحدث الانهيار داخل صفوف الجيش ويتحقق النصر الامريكي دون خوض حرب حقيقية على الارض.
وهناك احتمالان تضعهما الولايات المتحدة لكيفية حدوث هذا الانهيار وتتصرف بناء عليهما اولهما ان الجيش العراقي سيرفض القتال في ظل حالة من تحول الولاء بعيدا عن النظام وبذلك يتم عصيان الاوامر العسكرية و تظل الوحدات المسلحة في مواقعها دون تحرك او تستسلم باعداد كبيرة للقوات الامريكية او البريطانية او تتحرك ضد القيادة العراقية ذاتها . وثانيهما ان الجيش العراقي قد ينهار تحت الضغط العسكري العنيف بفعل القصف الجوي والحصار البري في ظل ما يثار حول سيناريوهات «الصدمة» التي ستتبعها القوات الامريكية اذا ما قررت القوات العراقية القتال الى جانب النظام او دفاعا عن نفسها .
واكد عبد السلام ان الوصول الى حرب المدن التي ينشدها الجيش العراقي وتخشاها الولايات المتحدة وبريطانيا مرهون باستمرار المقاومة والصمود العراقي وعدم حدوث انهيار داخلى قبل ذلك فهناك مشكلات تعاني منها القوات التي يمكن ان يعتمد عليها النظام العراقي في مثل هذه الحرب .
واولها القوات المسلحة النظامية التي تقلصت كثيرا عما كانت عليه عام 1991 اذ لا يزيد عددها عن 300: 350 الف جندى وتعاني من عدم تحديث الاسلحة ونقص قطع الغيار على مدى 12 عاما وهناك خلاف حقيقي حول قدرتها على خوض حرب نظامية تقليدية .
وهناك ايضا قوات الحرس الجمهوري وهي ما بين 80: 100 الف جندى وهي متطورة التسليح وعناصرها على مستوى عال من التدريب وتسمح لها معنوياتها وانتماءاتها بخوض قتال دفاعا عن النظام العراقي او عن نفسها وهذه القوات هي التي يتوقع ان تخوض المعركة دفاعا عن وسط العراق وصولا الى العاصمة ولذلك تركز الخطط الامريكية على دك مواقع هذه القوات وتعرضها لحرب نفسية مكثفة لحضها على عدم القتال ويقال ان هناك اتصالات مع بعض قادتها من اجل تحقيق ذلك.
واضاف: هناك ايضا القوات الخاصة للحرس الجمهوري وهي الافضل تسليحا وتدريبا وحالتها الفنية والادراية عالية وولاؤها كامل للنظام العراقي وروحها المعنوية قادرة على دفعها للقتال دفاعا عن الرئيس العراقي واسرته ويصل عدد هذه القوات الى 15 الف جندي وهذه القوات تعتبر احد رهانات صدام حسين لخوض معركة بغداد وستكون مفاجأة حقيقية لو تخلت تلك القوات عن قيادتها وانهارت.
أما بالنسبة للشعب العراقي فقد يكون احد اطراف حرب المدن او الشوارع المتوقعة وهذا يتوقف على ولائهم للنظام العراقي وموقفهم غير محدد حتى الان وقبولهم او عدم قبولهم بخوض الحرب الى جانب النظام العراقي هو الذي سيتحكم في مصير العملية العسكرية بالكامل .
|