* ماذا يفعل أكثر من «ستة ملايين» إنسان من غير السعوديين، في بلاد تشكو من تنامي ظاهرة البطالة بين مواطنيها..؟!
* بل.. ماذا يفعل السعوديون أنفسهم، لمعالجة هذا الوضع الشاذ، ولمساعدة أبنائهم وبناتهم من العاطلين والعاطلات، لتأهيلهم مهنياً وحياتياً واجتماعياً..؟!
* هذان سؤالان لا يخلوان من مسحة تشاؤمية حادة، لكن الأكثر شؤماً في هذا الموضوع المهم، هي تلك الصورة السلبية التي يظهر بها«بعض السعوديين» من أرباب العمل والتشغيل، ويرسمها بعض السعوديين الساعين إلى الكسب السريع بشتى الوسائل، حتى لو أتى ذلك بطرق غير مشروعة..!
* دعونا نكشف الأغطية، لنكون صادقين مع أنفسنا، وعلى وجه خاص، في شأن يتعلق بمسيرتنا المباركة إن شاء الله، والمهنية.. إن مسألة كهذه، هي من الأولويات الوطنية، التي تستوجب الفهم العميق لحجم المشكلة، أعني مشكلة البطالة بين السعوديين، لأن تداعياتها الجسيمة، لن تتوقف عند حدود شريحة محددة من الناس، بل سوف تعم الكل، وتؤرق الكبير والصغير، وتهدد الكيان الأسري، وتتسبب في صداع دائم للمشروع الأمني بكله.
* وإذا كان الأمر بهذه الصورة، الذي لا يستطيع أحد اليوم التقليل من خطورتها، خاصة ونحن نلمس عن قرب، نتائجها السلبية المتنامية بين ظهرانينا، لذا وجب علينا أن نتساءل بكل صراحة ووضوح: لماذا نترك تقرير هذا المصير، لطبقة أو شريحة من الناس، لا ترى أمامها سوى مصالحها هي وحدها، مصالح مادية بحتة، وأمجاد شخصية صرفة، يأتي ذلك، على حساب الكل الذي يكتوي بنار البطالة..؟!
* سوف أنقل لكم ما شاهدته ولمسته عن قرب، في مراكز ومدن وقرى محافظة القنفذة المحاذية للبحر الأحمر، وهذا لا يعني أن هذه البقعة من الوطن، هي وحدها التي تعكس هذه الصورة غير الإيجابية في ما رأيت ولمست، ولكنها يمكن أن تكون أنموذجاً لبقية المحافظات في البلاد.
* فعلى مدى عدة أيام أمضيتها بين الليث والوسقة والمظيلف والقنفذة والقنع والقوز وحلي والعرضيتين، لم أشاهد سعودياً واحداً يقف في محل تجاري، أو محطة وقود، أو ورشة عمل، مع أن كافة هذه المحلات والمواقع التجارية، هي بالآلاف، ومرخصة لسعوديين، في وقت يشكو فيه الناس من البطالة بين الشباب، ويرجعون إليها ما يحدث من جرائم وسرقات، ونشر للمخدرات وغير ذلك. وعندما سألت واحداً من السعوديين المتضررين من هذه الحالة، عن سر هذه الظاهرة، قال ببراءة شديدة: جربت أن أفتح سوقاً صغيراً للتسويق، في محطة لخدمات السيارات، بجوار محلات أخرى يديرها عمال بنغاليون وفشلت..! والسبب: أن «أعمامهم» يوفرون لهم من التسهيلات والحماية ما يكفي وزيادة، وأن الشركات التي تزود جيراني البنغاليين بالبضائع، تطلب مني التسديد مقدماً خلاف الآخرين، وأن سائقي هذه الشركات ومندوبي مبيعاتها، هم من مواطني جيراني، فهم لا يلتفتون إلى طلباتي، ودخلت في منافسة غير متكافئة، ثم فشلت وانسحبت..!
* إذن.. هناك شركات كبيرة، وفروع صغيرة.. وأسواق واسعة، تدار في مجملها بعمالة وافدة، ومن مصلحة هذه العمالة، التفرد بهذا النشاط، فهي تعرقل خطوات السعوديين الذين يتجرؤن على خوض هذه التجربة بشتى الطرق..! ولكن.. ما العيب في ذلك، إذا كان أرباب العمل السعوديين أنفسهم، سلموا لهؤلاء الغرباء، «الجمل بما حمل»..! واكتفوا بعائد شهري نظيف، «بارد مبرد»..؟! ثم نراهم يتشدقون في مناسبة وغير مناسبة، بالوطنية المخلصة، ويذكروننا بين وقت وآخر، بأدوارهم العظيمة في خدمة وطنهم العزيز، وتنمية القطاع الخاص فيه..؟!
* هذه هي مشكلتنا الحقيقية.. إنها تكمن في الإدارة الأساسية للأعمال في القطاع الخاص، لأنها في البعض من جوانبها، غير مؤتمنة على الرسالة الوطنية التي تعيش هي في كنفها، وفي بعض آخر، غير متفهمة، أو لا تريد أن تتفهم مدى خطورة البطالة بين مواطنيها الأصليين، فهي مسكونة فحسب، بهم واحد فقط، هو الكسب السريع، أما الشبيبة الوطنية، فعليها أن تشرب من البحر إن أرادت..!!
* إنك تسير في الشوارع العامة، وفي الطرقات الضيقة، والزنقات الملتوية، وفي الميادين.. في كل المدن، وحتى في القرى البعيدة، فلا ترى غير دكاكين مصطفة تحت المساكن..!
كل الأدوار السفلية في العمارات والدور، تتحول إلى دكاكاين صغيرة للعرض والبيع، بيع أي شيء لأي كان، دون رقيب أو حسيب، بل إن أجهزة البلديات والتجارة، هي التي تعطي الأذونات والتراخيص، لكل من هب ودب، دون متابعة أو تخصيص أو تنظيم..!
* في كل بلاد الدنيا، تخصص أسواق في مكان واحد لكل حي سكني، تلبي فقط حاجة سكان الحي، وتكون محددة ومعروفة وموصوفة النشاط لا يسمح بغيرها، ولا تفتح متاجر أو حوانيت في أسافل الدور السكنية، إلا عندنا، ينام السكان ليلاً، ليصحوا في الصباح، على ورش للسيارات، ومتاجر للغاز، أو مطابخ وأفران، تعمل أسفل منهم، وقد تتحول إلى مساكن للعمالة السائبة والمتهربة..!
* لمن تفتح هذه الدكاكين والمحلات بعشرات الآلاف..؟ ومن يحركها ويديرها..؟ ومن هو المستفيد منها..؟!
* لو أن أصحابها السعوديين الذين سعوا إلى ترخيصها، هم المشغلون لها، والمستفيدون من ورائها، لهان علينا الأمر، ولكن الواحد من هؤلاء، لا يعدو كونه أجيراً عند عامل أو أكثر من الوافدين، يجهد لكي يوفر لهم بتحايله وتستره، وبجهوده ونفوذه، أسباب الكسب والبقاء في هذا البلد، على حساب أبنائه ومواطنيه، الذين لا يجدون فرصة عمل واحدة تقيهم مذلة السؤال..!
* أليس هذا وضعاً غريباً، يتصادم مع سعي الدولة للسعودة، ويتضاد مع جهودها الكبيرة لتوطين الفرص الوظيفية والعملية لأبناء الوطن..؟
* أليس مثل هؤلاء السعوديين الذين يستقدمون آلاف العمال، ثم يسرحونهم في الشوارع، مقابل «جعول» مدفوعة مقدماً، هم الذين يسيرون في «الاتجاه المعاكس» ضد سياسة بلدهم في هذا الاتجاه، وهم الذين يئدون بكل أنانية وصلف، أحلام الشبيبة في الاستقرار والحياة الكريمة..؟!
* لماذا تعطى تراخيص العمل والاستقدام بأعداد كبيرة، ولأسماء كثيرة، بعضها لا تعرف من التجارة والصناعة إلا اسمها..؟
وبعضها لا تمارس هذا النشاط البتة، وإنما تمارس شيئاً واحداً، هو التكسب من وراء هذه «التراخيص»، مقابل التنازل «الرخيص» للعمالة الوافدة..؟!
* إذا أردنا لسياسة السعودة أن تنجح، وأن تؤتي أكلها في ربوع الوطن، فإنه من الواجب علينا، مراجعة أنظمة التراخيص والاستقدام، وتنظيمها من جديد، وربطها بالحاجة الفعلية للنشاط المرخص، والاستقدام المقنن، وحجبها فوراً عمن يتلاعب بها، فلا يمارس نشاطه بنفسه، أو لا يطبق الشروط، ولا ينصاع للتنظيمات التي تحقق النسبة التصاعدية للسعودة والتوطين.
* سعوديون كثر في هذا الزمان، أراهم يمشون في اتجاه معاكس، فمتى يعودون إلى السير في الاتجاه«غير» المعاكس..؟!
fax:027361552
|