Friday 28th march,2003 11138العدد الجمعة 25 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«زبلارد» والإنسانية «زبلارد» والإنسانية
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

ولد «زبلارد» في نجاريا، وعاش جزءاً من حياته في ألمانيا ولندن، وحل به المطاف أخيراً في الولايات المتحدة الامريكية، وكان عالماً فيزيائياً مميزاً في علمه، غريب الاطوار في سلوكه ومنهج حياته.
باكتشافه للتفاعل المتكرر للذرة في اثناء الحرب العالمية الثانية، غير الكثير من مفهومات العالم للطاقة، ومدى الاستفادة منها في مجالات السلم والحرب، لقد كان لاكتشافه هذا الاثر الكبير في العالم من الناحية السياسية والامنية والاقتصادية والصحية.
ذات يوم كان يسير في شوارع لندن، فأضاءت إشارة المرور لونها الاخضر، ايذاناً بالسماح للسيارات بالسير، لكن هذه الاضاءة البسيطة ذات الدلالة المعروفة لدينا جميعاً، كانت ذات دلالة اخرى لدى «زبلارد» في سعيه الدائب نحو امكانية التفاعل المتكرر في الذرة. لقد أوحت له هذه الاشارة البسيطة بإمكانية الحصول على التفاعل المتكرر فتعجل في مشيته، وأخذ يفكر في ذلك السيل من الضوء المتتابع بعد انطلاق الاشارة.بعد ان ذهب الى معمله في الولايات المتحدة الامريكية اخذ على عاتقه العمل الجاد للحصول على مبتغاه، ووضع قائمة بالعناصر التي يمكن الاستفادة منها للحصول على هذا التفاعل، واخذ يعمل التجارب اللازمة لذلك، ووجد ان عنصر اليورانيوم المشع يمكنه ان يحقق المطلوب، واخذ في تجاربه، وقد حاول ان يستخدم الجرانيت للتصفية، غير ان هذا الجرانيت كان يمتص تلك الطلقات الاشعاعية، فأخفقت التجربة. وكان العلماء الالمان يعملون بجد للوصول الى ما يريد الوصول اليه، غير أن علماء ألمانيا توقفوا عند هذا الحد وأيقنوا أنه لا يمكن الحصول على الطاقة الهائلة المنشودة، نظراً لذلك الامتصاص من الجرانيت، ومن حسن حظ «زبلارد» وسوء حظ العالم، ان أحد زملائه، كان لديه خلفية في الكيمياء، فخطر بباله ان هناك عناصر أخرى مع الجرانيت تقوم بذلك الامتصاص، فسارع بتنقية الجرانيت من العناصر الاخرى المصاحبة، وبدأ تجربته ذات الاثر الكبير على العالم.
لقد تفاجأ «زبلارد» بتواصل التفاعل، وصاح مستبشراً. طلب لقاءً مع الرئيس الامريكي آنذاك «روزفلت» وعمل كل جهد ممكن للحصول على ذلك اللقاء، فكان له ما اراد، وطرح مشروعه هو وزملاؤه على الرئيس، واقترح ميزانية قدرها ستة آلاف دولار فقط، فوافق الرئيس وكلف أحد القادة العسكريين للقيام بالمشروع.سار المشروع حسب ما خطط له، لكن القائد العسكري المسؤول عن المشروع، كان في خصام دائم مع «زبلارد» لان «زبلارد» يؤمن ان العلم للجميع، وانه لا يمكن حجب المعلومات عن الآخرين، ولهذا السبب كان يراسل زملاءه في العالم، ويخبرهم بنشاطه وكفاءته وقدراته، ويزودهم بالمعلومات، وقد أبعد عن المشروع، وأصبح تحت المراقبة الدائمة، حيث خصص لمراقبته سبعة أشخاص، وقد أرسلت إليه خطأ إحدى الرسائل الخاصة بمراقبته. وبعد ان علم بأمر المراقبة، استمر في المراسلة مع غيره من العلماء دون هوادة..
بعد اكتشافه المثير، أحس بجريمته في حق الانسانية، وتغير الكثير من منطلقاته ومفهوماته، وحاول الاتصال بالرئيس الامريكي اللاحق «ترومان» لكن الرئيس لم يقابله، واسند المقابلة الى أحد مستشاريه.وفي هذه المقابلة توسل «زبلارد» الا تستخدم الولايات المتحدة الامريكية القنبلة الذرية التي اكتشفها هو لاسيما ان نتيجة الحرب بدأت تظهر لمصلحة الحلفاء. لكن مستشار الرئيس لم يعبأ بما قال، وسار في الطريق الذي رسمته ادارته، وعمل «زبلارد» حملة كبيرة من خلال الساسة، دون جدوى، وعندما لم يجد من يصغي اليه من الساسة اتجه الى الجمهور، واخذ يلقي المحاضرات، ويكتب المقالات، ويكثر من المقابلات، لعل الشعب الامريكي يساعده على ثني الادارة الامريكية عن استخدام هذه القنبلة القذرة التي قام هو بالابحاث المتعلقة بها.استخدمت الولايات المتحدة الامريكية قنابل «زبلارد» وسارع الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بخمس سنوات بصنع مثيلاتها.
و «زبلارد» يسب ذلك اليوم الذي سار فيه في شارع لندن، وتلك الفكرة التي راودته من تلك الاشارة المرورية الخضراء.
بعد ذلك هجر «زبلارد» علم الفيزياء واتجه الى علم الاحياء لعله يجد شيئاً يخدم به البشرية ليكفر عن فعلته تلك التي اساء بها الى العالم. واستمر في ابحاثه في علم الاحياء حتى وافته المنية بعد أن قلب الكثير من الموازين العالمية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved