|
|
الإنسان في هذه الدنيا، عندما تتكاثر عليه النعم وبعد ما يطمئن على نفسه ومعيشته، ويحيط به الأمن في بلده يمر به جحود لما أفاء الله عليه به، وغفلة عن شكر الله على ما هيأ له.. فيسوق الله له الكوارث التي تنبهه من غفلته.. والآيات التي تربطه بخالقه، حتى يرعوي من غفلته.. ويدرك موطن الضعف في نفسه، يقول سبحانه: {كّلاَّ إنَّ الإنسّانّ لّيّطًغّى" (6) أّن رَّآهٍ اسًتّغًنّى" (7)} [العلق] . وما أكثر ما يرد في كتاب الله جلّ وعلا من آيات، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من تنبيهات من أجل أن يتحرك موطن الإحساس في وجدان الإنسان، ليدرك بمحاسبته لنفسه من أين أتى، فيراجع هذه النفس، في لحظة محاسبة، يقول سبحانه: {سّنٍرٌيهٌمً آيّاتٌنّا فٌي الآفّاقٌ وّفٌي أّنفٍسٌهٌمً حّتَّى" يّتّبّيَّنّ لّهٍمً أّنَّهٍ الحّقَ} [فصلت: 53] فالله جلّ وعلا يمتحن ابن آدم بأمور محسوسة عنده، وبمصائب تمر عليه، لكي تتهذب طباعه، ويكبر عامل الإيمان في نفسه، ويدرك مما حل أن هذا ناقوس خطر، ينبه عن نقص في أعمال هذه النفس البشرية مما يجب تلافيه، وتداركه قبل أن تتسع فجوة هذا الخطر.. بالتهاون في شرع الله، وعدم الرجوع إلى الله والإنابة إليه، فالله يُري الإنسان أموراً كونية.. في عالمه الأرضي، وما يحيط به من أجرام سماوية وكواكب، وما يسوق الله من نذائر.. بالرياح والصواعق، بالشهب وتساقط النجوم، بالكسوف الخسوف، وغيرها من أمور في الكون، هي عند الماديين، ظواهر كونية عادية، لكنها عند أهل الإيمان نذر توجب الرجوع إلى الله، دعاءً وخوفاً، وخضوعاً ورجاءً، بأن يزيل ضررها، ويبدل الضرر بالنفع، فهو سبحانه مسبب الأسباب، وجاعل لكل شيء سبباً.. ويمتحن ايمان عبده بذلك. قال تعالى: {لٌيّبًلٍوّكٍمً أّيٍَكٍمً أّحًسّنٍ عّمّلاْ وّهٍوّ العّزٌيزٍ الغّفٍورٍ } [الملك: 2] ويدخل في هذا ما ينزل من آفات بالمحاصيل الزراعية، وما تتعرض له التربة، وما يشكو منه العالم من نقص المياه، وما يتسلط به الأعداء في غزوهم وحروبهم، وتعدي بعض البشر على غيرهم، للتقوّي على الضعيف، وسلب ما منحه الله، ألم يقل سبحانه:{وّنّبًلٍوكٍم بٌالشَّرٌَ وّالًخّيًرٌ فٌتًنّةْ وّإلّيًنّا تٍرًجّعٍونّ (35)} [الأنبياء]. ويقول جل وعلا: {وّكّذّلٌكّ فّتّنَّا بّعًضّهٍم بٌبّعًضُ } [الأنعام: 53] . ويقول أحد العلماء: ما أذنبت ذنباً إلا رأيت أثره في خلق زوجتي ومسيرة دابتي. كما يأتي الابتلاء في النفس بالأمراض والمصائب، وبالمعيشة ونقصها وقلة الثمرات، وضعف مستوى الدخل، وبالغلاء والقحط، وبالخوف فيما بين البشر وغير هذا مما يمر بالإنسان في نفسه، أو بأسرته وفي مجتمعه الصغير والكبير، إنها دروس يسوقها الله لبني آدم، حتى يحاسب كل فرد نفسه، وحتى ينجلي صدأ النفوس، فيما بين الناس، ليعرفوا الداء ثم يعالجوه بالدواء النافع، وبالإيمان والتذكر بأن الخير من الله، وأن ما حلّ بالإنسان من شر، وما أحاط به من مصيبة، فإنما هو مما كسبت يداه، وبما جنى على نفسه أو مجتمعه من تساهل، حتى كبر الشر، فساق الله النذائر، حتى ترعوي النفوس، وتستقيظ القلوب من غفلتها، فترجع بالضراعة إلى الله. يقول سبحانه: {وّلّنّبًلٍوّنَّكٍم بٌشّيًءُ مٌَنّ الخّوًفٌ وّالًجٍوعٌ وّنّقًصُ مٌَنّ الأّّمًوّالٌ وّالأّّنفٍسٌ وّالثَّمّرّاتٌ وّبّشٌَرٌ الصَّابٌرٌينّ (155) الذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ (156) أٍوًلّئٌكّ عّلّيًهٌمً صّلّوّاتِ مٌَن رَّبٌَهٌمً وّرّحًمّةِ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍهًتّدٍونّ (157)}[البقرة: 155 - 157] فالله جلت قدرته، قد أبان لذوي القلوب المتفتحة العلاج لما ابتلاهم به: أولاً: بالصبر، ثانياً: بتسليم الأمور لله سبحانه، ثالثاً :الاعتراف بالخطأ، رابعاً :الرجوع إلى الله بالتوبة من الذنب، خامساً: الإكثار من الدعاء. وإذا كانت المعصية التي وقعت من البشر اجتماعية، كانتشار الفاحشة، وتوسّع نطاق المعاصي، فإن العلاج لا يكون فردياً، بل جماعياً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن تساهلوا جميعاً عمهم العقاب، بضياع مهابتهم عند العدو، وبقساوة القلوب، وحجب الدعاء عن الله، حيث يدعون فلا يستجاب لهم، ثم بأعظم من ذلك وهو الطرد من رحمة الله واللعن، كما حكى الله قصة بني إسرائيل في قوله تعالى: {لٍعٌنّ الذٌينّ كّفّرٍوا مٌنً بّنٌي إسًرّائٌيلّ عّلّى" لٌسّانٌ دّاوٍودّ وّعٌيسّى ابًنٌ مّرًيّمّ ذّلٌكّ بٌمّا عّصّوًا وَّكّانٍوا يّعًتّدٍونّ (78) كّانٍوا لا يّتّنّاهّوًنّ عّن مٍَنكّرُ فّعّلٍوهٍ لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّفًعّلٍونّ (79)} [المائدة] يقول بعض علماء السلف: ما نزل عقاب إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة.. ولذا نلمس من منهج السياق القرآني، وفحوى الحديث أنه يأتي مع وجود المصيبة التي يسوقها الله للبشر، ما يطمئن النفس البشرية المسترشدة الواعية بالعلاج الذي تنقشع معه الغشاوة التي رانت بسبب الغفلة..{كّلاَّ بّلً رّانّ عّلّى" قٍلٍوبٌهٌم مَّا كّانٍوا يّكًسٌبٍونّ (14)} [المطففين] فقلة الأمطار، ونقص المياه، والحاجة إلى الولد لمن لم يخلّف، ومغفرة الذنوب، ونقص الأموال، وضيق المعيشة، جعل الله علاجها سهلاً ميسراً خفيفاً على اللسان لا يكلف شيئاً إنه الاستغفار، يقول سبحانه في قصة نوح مع قومه: {فّقٍلًتٍ اسًتّغًفٌرٍوا رّبَّكٍمً إنَّهٍ كّانّ غّفَّارْا (10) يٍرًسٌلٌ السَّمّاءّ عّلّيًكٍم مٌَدًرّارْا (11) وّيٍمًدٌدًكٍم بٌأّمًوّالُ وّبّنٌينّ وّيّجًعّل لَّكٍمً جّنَّاتُ وّيّجًعّل لَّكٍمً أّنًهّارْا (12)} [نوح] . كما هو علاج لما يمرّ بالإنسان من ضيق وهمّ ونقص في المال. حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب» رواه أبو داود. كما أن الصلاة في جوف الليل، وقراءة آية الكرسي وقل هو الله أحد، والمعوذتين، حصن حصين، ووقاية للإنسان من شرور كثيرة، منها السحر والعين وشرّ شياطين الانس والجن وهوام الأرض. وأخبر صلى الله عليه وسلم عن أثر الصلاة والصدقة في دفع البلاء وإجابة الدعوة وصرف كيد العدو، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه يصاب بالرعب مسيرة شهر فلا يتسلّط على المسلمين، ما داموا محافظين على شعائر ربهم، ومكثرين من الدعاء والاستغفار، وخاضعين لله بالتوبة من كل ذنب. وتسليم الأمور لله وشكره على النّعم مما يزيدها،{لّئٌن شّكّرًتٍمً لأّزٌيدّنَّكٍمً وّلّئٌن كّفّرًتٍمً إنَّ عّذّابٌي لّشّدٌيدِ (7)} [إبراهيم] . والتذلل مع الله، والعرفان له بالفضل حمداً وتعظيماً، وعرفاناً وتوحيداً، وأداءً لحق النعم بالعطف على الفقراء واليتامى ومساعدة المحتاجين، مما يمكن الله به للإنسان في الأرض، ويديم النعم، يقول سبحانه:{قٍلً أّرّأّيًتٍمً إنً أّصًبّحّ مّاؤٍكٍمً غّوًرْا فّمّن يّأًتٌيكٍم بٌمّاءُ مَّعٌينُ (30)} [الملك] فكما يأتي كثيراً التحذير من الله والتنبيه عن الغفلة، يأتي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ينبّه الغافل، ويحرك الجماد لمن في قلبه نبضة إيمان فيقول: «لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عدواً من غيرهم» الحديث الذي رواه بكماله ابن ماجة في سننه، عن عبدالله بن عمر. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |