كثير من الوالدين يتوهمون أن سلطتهم على أولادهم مستمدة من وظيفتهم الطبيعية وانه حسبهم أن يأمروا فيطاعوا، فإن طاعة الأولاد واجب من واجباتهم مثلما ينبغي للجندي أن يطيع رئيسه وللموظف أن يطيع رئيس دائرته حسب التسلسل الاداري المعروف.
غير ان الطاعة لا تكتسب بحكم الوظيفة بل إنما هي توأم الثقة والاحترام فحيث لا احترام لا طاعة مطلقا.
ولكن ما معنى السلطة التي ينبغي أن تطاع؟
خلافا لما قد يتوهمه الكثيرون من الوالدين، ليست السلطة مجرد قوة معنوية تخولك ان تأمر، بل هي مجموعة من الصفات والخصال إذا اجتمعت لديك جعلتك تحمل انسانا آخر على فعل كذا وكذا أو على الامساك عن كذا وكذا، بوسائل الاقناع. حيث إن المطيع ولاسيما ان كان طفلا، إنما يطيع لأن مصلحته في ذلك أي ان طاعة الولد مرتكزة كلها على ثقته بأن والده أو والدته أجدر منه بمعرفة مصلحته الحقيقية. فإذا امتلأت نفسه بهذه الثقة وهذا الاحترام لوالديه، أذعن لهما من غير ملل ولا تذمر.
وإنما آفة السلطة أن يمارسها الوالدون حباً بالسلطة وأن يصدروا الأوامر كيفما تيسرت لهم ومن غير تمييز.
ولا يعرف معنى السلطة إلا من كان يعرف ان سيد القوم خادمهم. وكذلك حال الوالدين إذا أرادوا أن يطاعوا فعليهم ألا يظهروا في نظر أولادهم كأنهم يعاكسون أولادهم في شهواتهم عن نفس مكرهة مضطرة، وإنما الحرص على مصلحتهم يسوقهم الى الردع وكم كانوا يفضلون أن يعفوا من هذه الوظيفة الثقيلة.
السلطة غير التسلط
من مصاعب السلطة أنها جارة الطغيان والتسلط والفرق بين السلطة والطغيان قليل ضئيل. فكم من والد يمارس سلطته على نحو أقرب الى الاستبداد وهو يظن أنه والد ممتاز! ومن دلائل هذا الاستبداد ان الأوامر تتكاثر وتتلاحق مشفوعة بالتهديد والوعيد مع أنهم قالوا بمنتهى الصواب: إذا أردت أن تطاع فمر بالمستطاع.
وان هذا الموقف لدى الكثير من الوالدين لا يخلو من «السادية» إذ ينم على رغبة الآمر في التلذذ بتصغير المأمور واخضاعه وتجريده من شخيته. والسلطة الصحيحة على عكس ذلك، فهي تمتاز بأنها لا تصدر الأوامر إلا بمقدار ثم تحرص على التنفيذ لأن التنفيذ مستطاع. فكما قال رجل سياسي في مجال أعم: إذا أصدرت أمراً ولم تحرص على تنفيذه فكأنك تشجع العصيان من حيث لا تدري.
والوالدان إذا غضبوا وهددوا أولادهم كلما أمروهم بشيء ما، إنما يشهد تصرفهم بأنهم لا يؤمنون بحسن موقفهم بل يشكون في سلطتهم، وكأنهم يحاولون أن يقنعوا ذواتهم بأنهم أقوياء!! وقد نسوا ان الشأن ليس باصدار الأمر بل إنما الشأن كله بالحرص على تنفيذه، ولا سبيل الى ذلك ما لم يعملوا النظر مليا قبل اصدار الأمر، ولا فائدة من الغضب والتهديد.
|