Thursday 27th march,2003 11137العدد الخميس 24 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ملحمة عراقية ملحمة عراقية
روبرت فيسك ( * )

جيوش الحلف الأنجلو أمريكي يقدمون حتى الآن دعايتهم للعراقيين على طبق من فضة، فبداية أخبرتنا «البي بي سي» أن أم قصر الميناء العراقي الصغير على الخليج قد «سقط»، وأتساءل لماذا «تسقط» المدن في البي بي سي وهو شيء غريب بالنسبة لي؟! فتلك العبارة قد أتت من العصور الوسطى عندما كانت أسوار المدن تسقط بالمعنى الحرفي للكلمة تحت الحصار، ثم بعد ذلك أخبرونا ثانية أن الناصرية قد تم الاستيلاء عليها، ثم أخبرنا مراسلوهم «المندسون» هناك وهنا استيقظت حاستي الصحفية المتشككة أن المدينة قد تم «تأمينها»، والمراسلون«المندسون» هم هؤلاء الذين يسافرون مع القوات الأمريكية أو البريطانية، والذين يتعرضون الآن للرقابة والتي تضلل مستمعي «البي بي سي» عن عمد، ليس فقط في بريطانيا ولكن في جميع أنحاء العالم.
وقبل أن تبدأ الحرب أخبرونا بأنهم ينوون استخدام هذه الرؤوس الحربية، والتي تم تصنيعها من مخلفات الصناعات النووية، وذلك بهدف اختراق الدروع، والتي يعتقد آلاف الذين يعانون من أعراض مرض حرب الخليج والأطباء العراقيون أيضا بأنها المسؤولة عن تفشي حالات السرطان.
وبالأمس أخبرتنا البي بي سي بأن قوات المارينز الأمريكية قد استدعت طائرات من طراز A-10 لتوجيه ضربات للتعامل مع «جيوب المقاومة» وهي مصطلحات عسكرية أخرى تستخدمها البي بي سي ولكنها نسيت أن تذكر أن طائرات A-10 تستخدم قذائف يورانيوم منضب.
والآن يقوم الامريكيون مرة ثانية ولأول مرة منذ عام 1991برش رذاذ اليورانيوم في المعارك التي تنفجر فيها تلك القذائف في جنوب العراق، ولم يخبرنا أحد بذلك، ولكن لماذا؟ومن أين أتت تلك العبارة المنافقة «قوات التحالف»؟ لا «تحالف» هناك في حرب العراق، لا يوجد سوى جنود أمريكيين وبريطانيين وحفنة من الأستراليين، هذا هو كل شيء.
إن «تحالف» حرب الخليج عام 1991 لا وجود له الآن، و«تحالف» الأمم التي تريد أن «تساعد» في هذا الصراع غير الشرعي تشمل بخيالهم الخصب حتى كوستاريكا ومايكرونيزيا.
وأعتقد أن ذلك يشمل أيضا دولة أيرلندا المحايدة وذلك بسماحها بعبور الطائرات الحربية الأمريكية في قاعدة «شانون»، ولكنها ليست «قوات تحالف»، فلماذا تستخدم البي بي سي هذه العبارة؟.
أنا أكرر: لماذا؟؟ هذه حرب أنجلو أمريكية، سواء كنا موافقين بما في ذلك «الأشخاص المندسين» على ذلك أم لا، والعراقيون أذكياء بصورة كافية لكي يتذكروا كل ذلك، فقد أعلنوا في البداية أن الأسرى الأمريكيين أو البريطانيين سيعاملون كمرتزقة.
وهذا القرار قد قام الرئيس العراقي صدام حسين بتصحيحه بحكمة وقال إن كل الأسرى» يعاملون «طبقا لمعاهدة جنيف».
هنا نطرح تساؤلا لأحد هؤلاء الذين كانوا يعتقدون منذ أسبوع فقط بأن بغداد سوف تسقط، وأننا ربما نصحو ذات يوم لنجد ميليشيات حزب البعث والجيش العراقي قد اختفوا، وأن الأمريكيين يمشون في شارع سعيدون يحملون بنادقهم على أكتافهم؛ فإذا ما استطاع العراقيون أن يصمدوا أمام تلك القوة الهائلة في أم قصر لمدة أربعة أيام، وإذا ما استطاعوا مواصلة القتال في البصرة والناصرية، والأخيرة هي مدينة اشتعلت فيها ثورة قصيرة ناجحة ضد صدام حسين في عام 1991، فلماذا لا تواصل قوات صدام القتال في بغداد؟؟
من المؤكد أن التاريخ العراقي لن يكون مكتملا بدون تسطير ملحمة جديدة من قصص «الشهادة» في المعارك الخالدة ضد الغزاة الأجانب، ومقاتلو أم قصر سوف يصبحون لأعوام عديدة بصرف النظر عن مصير صدام مصدرا للأساطير والأهازيج الشعبية، كما فعل ذلك قبلهم المصريون منذ عقود برجالهم الذين قتلوا في حرب السويس عام 1956.

(*) «الإندبندنت» البريطانية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved