الحرب ليست فقط رواية المنتصر، بل هي أيضاً رواية رسمية، وأخرى شعبية، رواية رسمية نتابعها بين كمية هائلة من المعلومات تندلق على أدمغتنا، ولنا خيار الانتقاء والتصديق وخيار الدهشة فقط!!
لكن يندر أن يكون هناك صورة قاطعة ونهائية «لربما لا نريد أن نعي حجم الخيبة».
وصورة أخرى شعبية مكتنزة بالخوف متورمة بالقلق والترقب وتربة تلتقط بذور الإشاعات بشراهة وإلحاح.
اما ما يحدث في الرواية الرسمية مفارقة عجيبة تقترب من المهزلة، ويقولون إن في هزيمة العرب الكبرى عام 67 كانت الطائرات الإسرائيلية تدك العواصم العربية وتحتل أراضيها، بينما اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يحزمون أمتعتهم استعدادا للعودة إلى ديارهم المغتصبة في فلسطين، بعد أن انصاعوا للمعلومات المضللة عن النصر وتحرير فلسطين، تلك المعلومات التي كانت تسوقها الإذاعات العربية وهي في حالة غيبوبة وانفصال عن الواقع.
والذي يستمع إلى تصريحات المسؤولين في الحكومة العراقية لا يجد المناخ قد خرج من غيبوبته، فبينما كانت القنابل تمطر مدينة بغداد، كان وزير الإعلام العراقي يمطرهم بوابل من الشتائم والسباب الذكي الذي يليق بحجم الرعب الذي يطرز سقف بغداد.
لكن الفرق المخزي بين عام 67 واليوم أن وسائل الإعلام تحولت إلى العين الجهنمية التي تماشي الدبابة وتلاحق أزيز الصاروخ، وتغشى وجوهنا بالدم الحار الطازج الذي يسد منافسنا «دائما ما تكون الدماء عربية منذ وعت أعيننا على الحياة ونحن نشهد فقط نزيفنا»، العين التي ربطت الألسن ولم يعد سوى المشاهد التي تلطخنا بحقيقة غير قابلة للمزايدات أو البيانات العسكرية أو ضجيج الأناشيد العسكرية تلك التي ظل الوعي العربي لدهور طويلة خاضعا لدخانها الخانق.
وحين تسمع تصريحات العسكر في العراق تكتشف وقع الزمن العربي الراكد البطيء، الذي ما برح يرفض أن يغادر كهوفه القديمة ويستفيق من غيبوبته، والمحتقر لشعبه المطوقهم بأقوال القائد الملهم حيث هناك فقط تقبع الحقيقة الكاملة.
تصريحات المسؤولين العراقيين والبث الحي يأخذنا إلى الصمم الذي يعيشه الوعي والشارع العربي وإلى الحقيقة المنفية في جزر الضياع والغيبوبة.
|