Wednesday 26th march,2003 11136العدد الاربعاء 23 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أمريكا تغرق في المستنقع العراقي! أمريكا تغرق في المستنقع العراقي!
جاك جيليارد ( * )

المعركة التي قالت إدارة بوش: إنها ستكون سريعة وساحقة لم تكن كذلك.. بغداد أصبحت أكثر صمودا، ربما لأن العراقيين يشعرون اليوم بالذات أنهم ضحية غزو أمريكي غير مبرر، ولهذا تبدو المقاومة العراقية، قوية، على الأقل وهي تصمد ليوم آخر، أمام «الأرمادا» العسكرية للولايات الأمريكية المتحدة وبريطانيا وأستراليا معا.. بالصواريخ الموجهة، والقنابل بالأطنان، دخلت العراق في الحرب الحقيقية، أمام مشهد القصر الجمهوري ووزارات ومؤسسات إدارية التي تحولت في دقائق معدودات إلى أطلال..
الخسائر المادية تبدو ضخمة، ولكن هذا ليس مهما يقول سكان بغداد «نحن نعرف كيف نبني دولتنا من جديد، المهم هو هزيمة الأعداء، وتلقينهم درسا أشبه بالدرس الفيتنامي»!
من وجهة نظر عامة، لا بد أن نشعر جميعنا بالتعاطف مع العراقيين، هذه المرة، فالحرب المعلنة ليست شرعية، على الأقل بالصيغة التي من خلالها تحدى جورج بوش الشرعية الدولية لأجل تنفيذ قرار اتخذه من زمن: القضاء على البنية التحتية للعراق، وهو مشروع لا يملك الحق في تمنيه، أو في البحث عن تحقيقه، لأن المتغيرات التي أفرزتها السنوات الماضية لم تعط للأمريكيين رؤية خارج فكرة القوى الوحيدة المطلقة على الأرض، وهي قوة السلطة الأحادية المتمثلة في الولايات المتحدة.. هذا ما كان سيبدو بديهيا لولا أن دولاً أخرى تريد أن يكون لها دور في الميكانزمات الدولية مثل فرنسا وألمانيا وروسيا والصين..
هل كانت الحرب على العراق خطأ استراتيجيا؟ نعتقد ذلك، لأن ممارسة دور الشرطي الدولي على العالم كانت تفعله الولايات الأمريكية المتحدة بأكثر من طريقة، وكانت ستفعله لوقت طويل أيضا، لولا أن إدارة جورج بوش أرادت فرض سياسة الأفلام الهوليودية المعتمدة على مبدأ المفاجأة، والنهايات السعيدة!
هذه المرة كان الفيلم دراماتيكيا.. أمريكا المتعودة على السيطرة المطلقة، وجدت فجأة من يقف في وجهها، ليس بالشكل الكامل، أو المتساوي هذا صحيح، ولكن على الأقل بالشكل الذي يجعل الأمريكيين ومن خلفهم البريطانيين يشعرون بالإحراج الشديد، وهم يرسلون يوميا «جندي أخبار الموت» الذي تعود على طرق أبواب الأمريكيين ليلا لإخبار عائلات الجنود أن ابنهم مات في العراق.. مات لأنه ذهب يغزو دولة بعيدة عن دولته.. مات لأن رئيسه أراده أن يموت كي يحمي الأمريكيين من «كارزماتية» أصحاب القرار الذين رأوا دائما أن الهيمنة أهم من أرواح الجنود، وأهم أكثر من أرواح الشعوب.. هذا أمر لا يمكن أن يستشعره الرئيس الأمريكي الداخل إلى الحرب كالداخل إلى نزهة سياحية، ربما الآن يختلف الأمر قليلا.. لأن العراقيين أثبتوا قدرة مدهشة على تسيير الحرب، وفي ضرب الولايات الأمريكية تحت الحزام (صور الجنود الأسرى والقتلى التي بثتها أكثر من قناة تلفزيونية دولية) والتي لن تكون هينة على الرأي العام الأمريكي الغاضب جدا من هذه الحرب التي يراها غير مفهومة، وغير مقبولة البتة، أحد الأمريكيين الغاضبين في صبيحة السبت وقف أمام كاميرا السي أن بي سي C.N.B.C الأمريكية وأبرم النار في جواز سفره، هذا غضب لم تشهده الولايات الأمريكية المتحدة منذ أكثر من عشرين سنة، فما بالك والجنود الأمريكيون يموتون بهذا الشكل الذي لم تتعود عليه أمريكا منذ حرب فيتنام؟
هل ستشهد الحرب تغييرااستراتيجيا في الأيام المقبلة؟
الشيء الذي نعتقده أن الدخول شبه الحماسي للأمريكيين والبريطانيين في هذه الحرب لم يبق بنفس اليقين، وأن الحرب اليوم أخذت منحنى آخر أكثر خطورة مع العمليات العسكرية على المدنيين في العراق (أكثر من 77 قتيلاً ومئات الجرحى في أوساط المدنيين).
وعلى الرغم من كل التبريرات التي يحاول تقديمها مكتب الإعلام العسكري الأمريكي والبريطاني للتخفيف من حدة الكارثة الإنسانية الذي يبدو العراق معرضا لها، إن تواصل الحرب بهذا الشكل من «الأسلحة الذكية» التي لم تعد ذكية منذ فقدت أمريكا عقلها يعتبر جريمة.. فالحرب عمياء، كما قال الجنرال الفرنسي« شارل ديغول» وهي كذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى !
ما نعرفه أن الرئيس الأمريكي يواجه حربا حقيقية داخل أمريكا، وأنه بحاجة إلى تحقيق شيء ما في العراق لأجل المرور إلى الجهة الأخرى، التي تعني الأمان السياسي، كما تقول الصحف الأمريكية.. ما حدث أنه خسر أكثر من شيء واحد بسبب الحرب: تضاعف عدد الحانقين على الولايات الأمريكية المتحدة في العالم، في أوروبا (فرنسا بالذات) وفي العالم العربي.. هذا يعني أن أعداء أمريكا القادمين أكبر بكثير من أعدادهم قبل اندلاع الحرب الراهنة على العراق.. هذا هو أكبر خطر سوف لن تعرف كيف تخرج منه الإدارة الأمريكية، في الأشهر المقبلة، قطعا هذا اسمه المستنقع الذي سقطت فيه أمريكا بكامل إرادتها !

( * )«لفيغارو» الفرنسية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved