طالعنا صحيفة «الجزيرة» بتاريخ 13 مارس/اذار 2003م العدد «11123» بمحاضرة لرئيس تحريرها الأستاذ خالد المالك بمكتبة الملك عبدالعزيز بعنوان «الصحافة اليومية في المملكة الواقع والطموح» ومما لا شك فيه ان العنوان جذبني لقراءة المحاضرة التي امتازت بكثير من الفن الصحفي غير ان ما تضمنته بين كلمات سطورها شد انتباهي لأن أكتب عن شخصية المحاضر وهو المشهود له بالحنكة والدراية في كثير من الأمور الصحفية. بداية المحاضرة كانت لها وقع كبير على النفوس لما احتوت من مفردات وعبارات الجذب والتواضع حين خاطب الحضور قائلاً «ما جئت هذا المساء لألقي على مسامعكم دروساً في الصحافة إلى مفردات النقاش والاقتراحات».. «أقول صادقاً بأنني ما جئت إلى هنا إلا لأستزيد من علمكم واستفيد من آرائكم».
فبلا شك ان هذا أضفى على المحاضر جواً ودياً اختزل المسافات بين ما قدمه من شرح وافر لبعض ما تمر به الصحافة اليومية بالمملكة من الأمور الإدارية والمالية إلى الأمور الفنية من كوادر تصوير وإخراج وصولاً إلى الكتاب والكاتبات الصحفيين والصحفيات فكان عنده الكثير من التمني لكل هذه الأمور بأن تتحسن في كافة المجالات وتستوي أمورها، مقراً بأن هنالك مسافات بين ما هي عليه الصحافة وتمنياته لها «أقول لكم بأمانة.. ان هناك مسافة وإن لم تكن كبيرة بين ما هي عليه صحافتنا اليوم وهذا الذي نتمناه لها» وحال الصحافة السعودية كباقي الدول في الأمور المالية والنجاحات إلا ان الفارق كبير في الرسالة والأمانة والمصداقية في الصحافة السعودية، تميزها عن غيرها من الصحف الأخرى، فالصحافة السعودية ليست بحديثة حيث لها تاريخ في تقديم الخدمات والتغطية الصحفية منذ عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حيث واكبت بكتاباتها جميع الأحداث الكبيرة دون ان تمس بجوهرها كما فعل غيرها وضلل الرأي العام، وهذا ما تمتعت به المحاضرة حيث حوت سرد مراحل نشأة الصحافة السعودية ومراحل تحديثها والقوانين والأنظمة التي تخضع لها متطرقاً إلى القانون الجديد من جوانبه الايجابية فيه أو التغيرات التي حولت مفهوم الصحافة الفردية إلى مؤسسات، مشيراً إلى ان هنالك ثغرات يمكن العمل على ردمها وتصحيح أي خلل فيه وهذا دال على ما يختزنه المحاضر من خبرة ميدانية واستشارية في الإبداع الصحفي حيث اعتمد أكثر من أسلوب في محاضرته فتارة يعتمد على المداخلة الشخصية وتارة على المداخلة التحليلية الجماعية ليعكس رأياً وتمنى شرعية من المجتمع مسلطاً الضوء عليها وطالباً منها المساهمة في النقد البناء الذي يساعد في خدمة المجتمع والوطن فيضع نفسه في خانة المساعد وهذا قليلا ما تلقاه ممن لهم منصب حيث يعصف بهم الغرور والتعصب فيضيع وتضيع معه الأمنيات على عكس بعض الصحفيين أو النقاد فيخيل له في بعض الأحيان تصورات ليس لها صلة بالواقع فيذهب بمخيلته ويطلق لها العنان في مواضيع ذات أهمية وطنية كبرى من جميع زواياها فيختار زاوية قائمة او يختار له تلك الزاوية ويضع من خلالها أثاثات مقالته وانتقاده وتكون خاطئة وضالة في غالبية الأحيان يراد بذلك صرف النظر عن أمور هامة وأساسية فيضع أقدام مفاهيمه على أرضية غير صلبة فيوقع البنيان الذي أراد ان يشيده ويشد القراء له فيضيع الرسالة المكلف أداؤها لخدمة مجتمعه ووطنه، فهذه الأشياء والأشخاص لا نراها في كثير من صحفيي المملكة ولا حتى في صحافتها فالاستقلالية تعطيها الحرية في التصويت والتصحيح فمساراتها مستقلة وذات رؤية واضحة تعكس نهج دولة تتمتع بمصداقية وتلاحم بين الشعب وقيادييه، على عكس غالبية الصحافة العربية فإما ان تكون ذات امتدادات وجذور غير وطنية وإما ان تكون ذات مصادر مضللة يُراد بها من خلال هذه الصحيفة أو تلك تمرير مشروع أو فكرة لضرب نواة مجتمع آمن أو قرار حكيم مزدانة ومعتمدة على البهرجة الصحفية وأضواء الشهرة لصاحبها ولكنها تحترق من يقترب من مضمونها اللب. ففي غالبية الأنظمة الإعلامية وبخاصة المكتوبة تولي أهمية كبيرة لأن شريحتها أكثر ثقافة ونضجاً والماماً، لذلك يجب ان يكون لها منظار ومقاييس خاصة بها دون سواها من وسائل الإعلام، ونحمد الله ان نظام الإعلام السعودي يرعى هذه المقاييس والمعايير ضابطاً بذلك حرية الإعلام ليقدم للمهتمين بالصحافة صحافة نقية وحرية واضحة منقحة من الشوائب التي تسمم فكر وعقول النشء والناضجين مما يعرف بالتحليل والتعليل والتفسير، فبعض الصحف الدخيلة على المجتمع عبر الإنترنت بمقالات غرائبية ليست إلا نسخ واستنساخ لمواد صادرة عن جهات مستترة وربما علنية في بعض الأحيان تقذف بما يدور في فكرها من خطط ومخططات لترسم بذلك طريقا تتسلل من خلالها إلى الرأي العام بعد ان تصيبه برزاز الشهرة المبرد وتجمد تفكيره وتجره إلى شارع مظلم مليء بالشارات المضاءة التي ترشده إلى الهاوية، فهل نريد للصحافة السعودية مثل هذه الأمور، أكيد لا ولا سمح الله بذلك، فالصحافة السعودية كما نراها اليوم هي مثال الصحافة التي وُجدت لتخدم مجتمعاً يتميزاً بخصوصية فريدة وعادات وتقاليد يصعب النيل منها لأن حدودها ليست جغرافية إنما عقائدية، والصحافة السعودية شاملة بكثرة أبوابها فنقرأ بها أشياء نابعة من صميم المجتمع ونبض الشارع تفتقر لها الصحافة العالمية التي تصنف نفسها أو يصنفونها عالمياً، فالتمني في بعض الأحيان ينبع من وجدان محب كما لدى الأستاذ الإعلامي خالد المالك فقدم لنا صندوقاً مليئاً بالكنوز الفكرية فكان حديثه أكثر من ندوة ومن محاضرة في كلية وأكثر من إرشاد وتوجيه في جيل، لذلك نأمل ونتمنى ان يبقى سداً منيعاً في وجه من يريد التسلل إلى الصحافة السعودية ليبعث بشيء لا أمل له فيه.. وفقكم الله وسدد خطاكم وخطابكم.
وهيب محمود شكر
|