يقدم الكاتب الأستاذ عبدالرحمن العثمان، خلال الحلقة التي توقفت عندها في هذه السلسلة المتصلة بالتعليم في الوطن العربي، ما أسماه ب«ظاهرة مقلقة»، وهي: تناقض الكفاءة الداخلية للتعليم، وتردي مستواه في العالم العربي، وكذلك نسب الرسوب، أي الاخفاق في النجح.. وهذا يؤدي إلى تكدس الطلاب في التعليم العام أو الجامعي، وتصبح القضية بين حالين، أحلاهما مر، فإما: «النجح الجزافي، وهو تخرج طلاب بلا تحصيل، وهذا يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة، لأن غير الأكفاء، لا يجدون فرص عمل أمامهم.. وهذا يؤدي إلى البقاء في المدارس والجامعات، إلى ان يتحسن وضعهم، وهذا يكون على حساب استقبال أفواج أخر، تريد أماكن لها، غير ان الفراغ المتاح، لا يستوعب الأعداد الكثر المتقدمة إلى التعليم، وهذه مشكلة أُخرى، معقّدة وعسيرة الحلول..!
* وخلال التحليل الذي يلقي به الكاتب لواقع الحال والاخفاق والنتائج المتحققة، نصل معه إلى أنموذج آخر، هو الخلل في العملية التعليمية»، ويفضي ذلك إلى: «عدم قدرة التعليم على توفير متطلبات تنمية المجتمعات العربية، هو الأكثر إثارة للقلق».
* إن هذه النتائج السلبية في التعليم، تتطلب كما يقول الكاتب: «إصلاح نظم التعليم، عبر استراتيجية، ملحة لم تعد قابلة للتأجيل».. ومن المؤكد ان المسار إليه يدعو إليه الكاتب بإلحاح، لن يصلح ما أفسد الدهر، ولكنه إذا تحقق بكثير من الجد والاهتمام والعناية والتضحيات، فإنه يصلح لمستقبل الأيام.. أما ماضٍ فقد فات ، لا يمكن ان يعالج، ولا جدوى فيه للإصلاح، لأنه نتاج تراكمات: مناهج ومعلمين وجمود، وتقصير مشترك بين البيت والمدرسة، وهو كذلك نتاج ضغوط ثقيلة فجائية، مردها كثرة السكان.. ولم يكن في الحسبان، ولا رهن دراسات واحصاءات، تضع في اعتبارها حسابات وتقديرات دقيقة تواجه الواقع، لتفادي الخلل المفاجئ، وهو نتاج واقع، لم يقدر ولم يحسب له حساب.!
* إن النتائج صعبة، ذلك ان مقابلة الانفاق بتوسع عريض في التعليم، قد لا يكون ميسوراً ولا سهلاً، وإذا اتبع في ذلك مراحل تستغرق سنوات، فإن المشكلة سوف تزيد تعقيداً وعسراً وضنكاً، والمحصلة، تخريج أفواج من المدارس والجامعات، شبه أميين، وليس لهم مجال في ساحات العمل اليوم، الذي يتطلب مواصفات من الكفاءات، التي تستطيع تلبية سوق العمل، وتؤديه على خير وجه، من الاتقان والقدرة والكفاية!.
* هذه الطفرة السكانية، أكبر الظن انها ليست محسوبة، وليست مقدرة، ولذلك كانت المفاجأة المحققة، التي وصل إليها حال التعليم اليوم، دون ان يكون ثمة رصد ميزانيات عريضة، وبنود تنهض بدور الطفرة الحياتية.. والتعليم كما يدرك العالمون، انه ليس قراراً يصدر، ليتحقق في الغد ما يراد، وما ينهض بالحركة التعليمية، خلال أيام وأسابيع وشهور، ولكن لا يحقق الهدف المنشود، إلا خلال سنوات، من الدراسة المتقنة، والاستفادة من تجارب الأمم المتقدمة، وتوفر الكوادر التي تنهض بتعليم متميز، ذي عائد ايجابي.. وكل ذلك لا يتحقق إلا بانفاق واسع، مهيأ وقادر، على الاستقلالية، والاستجابة لكل طارئ، ومواءمة رؤية ارتقائية مقننة، لا تحد منها قيود، ولا روتين معطل، ولا ركون إلى دعة وسلبية، عنوانه القهقري.. وتمر السنون، بين حلم لا يفضي إلا إلى سبات، على حين ان ركب الحضارة في الأمم المتقدمة، يغذ السير، نحو رقي، ليس له معطل، لأن التعليم هدف حياة أمة حية واعية، تدرك أدوارها، وتخطط لها قبل نصف قرن، وتمضي تدرس وتنفذ، وتستدرك اخطاءها، وتعمل للغد القريب والبعيد، ولا تجنح إلى التفكير في الأمس، لأنه قد مضى وانقضى.. وإلى الله ترجع الأمور!.
|