* القاهرة - أ.ش.أ:
رغم ضخامة الآلة العسكرية للقوات الانجلوأمريكية في مواجهة المقاومة العراقية تزايدت المخاوف في أوساط المؤسسات العسكرية الأمريكية والأوروبية من التداعيات الخطيرة لاستراتيجية الخطر التي تتبعها لندن وواشنطن في الحرب الحالية في ضوء الخسائر البشرية في صفوف القوات البريطانية والأمريكية وشراسة المقاومة العراقية.
وقد تلاشت الثقة التي أبداها المعسكر الأنجلوأمريكي قبل الحرب بشأن امكانية حسم المعركة العسكرية مع العراق في غضون أيام قليلة وذلك نتيجة لتكتيكات المقاومة العراقية والتي استغلت مساعي البنتاجون لتحقيق النصر ودخول بغداد في أسرع وقت ممكن.
وكشفت المقاومة العراقية الشرسة خلال الأيام الماضية عدم فاعلية الدعاية الأمريكية والبريطانية التي ركزت على محاولة اقناع القوات المسلحة والمدنيين العراقيين بأن الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ودخول بغداد أمر حتمي سوف يتحقق خلال فترة وجيزة.
ويرى محللون عسكريون غربيون مثل توماس ريكس ان العراقيين استخدموا تكتيكات الخداع في مواجهة القوات الأمريكية والبريطانية خلال الأيام القليلة الماضية حيث تخفى عدد من القوات العراقية بالجنوب في زي المدنيين وتظاهر بعضهم بالاستسلام ودخلوا في مواجهات شرسة مع القوات الأمريكية التي كانت تتوقع استقبالا حارا من العراقيين أو على الأقل من جانب الشيعة بالجنوب عند بدء المعارك.
قد أثارت مشاهد الأسرى والقتلى الأمريكيين والمقاومة العراقية الشرسة الشكوك حول كفاءة استراتيجية الحرب النفسية التي تشنها واشنطن مستهدفة الجيش والمدنيين العراقيين لحثهم على الاستسلام تحت زعم حتمية الاطاحة بالنظام العراقي وسهولة المعركة العسكرية مع القوات العراقية.
وأوضح المحلل العسكري توماس ريكس ان الطائرات الأمريكية ألقت حوالي 25 مليون منشور دعائي على العسكريين والمدنيين العراقيين وحثتهم طوال الأشهر الستة الماضية على الاستسلام وعدم محاربة القوات الأمريكية اضافة الى استخدام وسائل اعلامية مكملة كالاذاعات والاتصالات الهاتفية لتحقيق ذلك الغرض.
ودفعت الخسائر الأمريكية والمقاومة العراقية القوية الرئيس الأمريكي جورج بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد الى التأكيد على ان الحرب لن تكون سهلة كما كانوا يعتقدون في السابق بل طالبا الأمريكيين بتوقع حرب طويلة وشرسة في بلد مترامي الأطراف كالعراق.
وفي السياق نفسه يرى خبراء عسكريون أمريكيون ان العراق يسعى لاستغلال الثغرات الموجودة باستراتيجية الخطر الأمريكية للتمويه واستحداث تكتيكات معينة في القتال حيث يشير عدد من القوات البريطانية والأمريكية الى ان الأوامر الصادرة لهم تضمنت عدم اطلاق النار على المدنيين العراقيين إلا في حالة مهاجمة هؤلاء المدنيين لهم وذلك في محاولة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين العراقيين.
ويرى محللون عسكريون أمريكيون ان المقاومة العراقية ربما تستدعي زيادة عدد القوات الأمريكية الغازية «والتى يبلغ قوامها حوالي ثلث عدد القوات التي طردت القوات العراقية من الكويت في حرب عام 1991» رغم وجود أحدث أنواع الأسلحة كقاذفات بي 52 في حوزة القوات الأمريكية والبريطانية.
وأضافوا ان الاشكالية تكمن في ان واضعي خطة الحرب والسياسيين الأمريكيين اعتبروا الرئيس العراقي وأعوانه العدو الحقيقي وليس الجيش العراقي في محاولة لاستمالة العسكريين العراقيين ودفعهم للانقلاب على الرئيس صدام حسين.
وتوقع بيتر فيفر المحلل العسكري وخبير الأمن القومي الأمريكي ان تثير الخسائر البشرية التي منيت بها القوات الأمريكية حفيظة الرأي العام الأمريكي المؤيد للحرب الحالية تجاه ما قد يعتبره مقامرة غير محسوبة بالأراضي العراقية.
وقال فيفر ان عددا من المحللين العسكريين باتوا يصفون خطة الحرب الحالية على انها تنطوى على مخاطرة كبيرة مشيرا الى ان الخطة الانجلوأمريكية للحرب وضعت في الأولوية سرعة انهاء الحرب قبل حماية القوات.وأكد جاري اندرسون المحلل العسكري الأمريكي ان واضعي الخطة الأمريكية راهنوا على ضعف المقاومة في جنوب العراق إلا ان الأحداث أثبتت أنهم لم يكونوا على صواب.
وقال دافيد سكونيرز الخبير في دراسات الشرق الأوسط ان استمرار الحرب لمدة شهر ومقتل أكثر من 200 جندى أمريكي خلال القتال مع القوات العراقية سوف يعد بمثابة كارثة علاقات عامة للرئيس جورج بوش.
ويرى العقيد المتقاعد بالجيش الأمريكي جو ادامزيك ان استمرار الحرب لفترة تزيد عن خمسة أسابيع سوف تدفع الرأي العام الأمريكي لكي يتساءل عن السبب وراء استغراق تلك الحرب فترة أطول من التي استغرقتها حرب تحرير الكويت عام 1991.
وقال خبراء عسكريون أمريكيون ان المشكلة تكمن في رهان الرئيس جورج بوش على نجاح القوات الأمريكية في حسم المعركة لصالحهم في فترة زمنية وجيزة وبأقل خسائر ممكنة، مشيرين الى ان احتمال حدوث مجاعات بالعراق سوف يتزايد في حالة استمرار الحرب لفترة طويلة.
وأكدوا ان صور الأطفال العراقيين سوف تقلل من تأييد الرأى العام الأمريكي للحرب.وينظر الخبراء الاستراتيجيون الأمريكيون أمثال روبرت جرينبرجر الى الحرب العراقية الحالية على انها نقطة البداية لتنفيذ خطة رسم الخريطة الجديدة ويتوقعون ان يكون تنفيذها صعبا نتيجة لرفض عدد من القوى الدولية الرئيسية التحركات الأمريكية المنفردة والتي تتم خارج اطار الشرعية الدولية.
وقد نمت خطة رسم الخريطة الجديدة «التي كانت مجرد فكرة وضع بذرتها مجموعة من المفكرين المنتمين لتيار المحافظين الجدد خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون» ببطء خلال السنوات الست الماضية.
وبعد حوادث 11 سبتمبر اتخذت الخطة الأمريكية زخما قويا حيث ينظر عدد من صقور الادارة الأمريكية للحرب العراقية الحالية على انها البداية لوضع الخطة موضع التنفيذ.
وتدرك الادارة الأمريكية ان الحرب على العراق يمكن ان تكون العائق الرئيسي أمام احتمالات تنفيذ خطة رسم الخريطة، حيث تخشى من ردود أفعال الرأي العام الأمريكي وحلفائها حال استمرارالحرب لفترة أطول من التي توقعها العسكريون الأمريكيون وتكبد القوات الأمريكية والبريطانية مزيدا من الخسائر في الأرواح.
ويشير خبراء استراتيجيون أمريكيون الى ان الحرب الحالية والمظاهرات الشعبية التي اجتاحت المدن العربية احتجاجا عليها تعطي الانطباع بأن خطة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط غير واقعية.
|