في مطار جدة قابلت صديقاً عراقياً، قال لي وهو يودعني والعبرة تكاد تخنقه: أخوي حسين!، سوف تصل أنت إلى الرياض بعد ساعة ونصف ولن أصل إلى مهجري إلا بعد ثلاثة أيام من الطيران المتقطع، إنني احتاج إلى ثلاثة أيام أخرى، حتى تستقر ساعتي البيولوجية لكن يا صديقي ليس هذا هو المهم، المهم هو قلقي على اسرتي في مهجري الجديد، الذي وجهتني له هيئة اللاجئين فأنا قد لا أستطيع غداً السيطرة على ابنتي وربما على زوجتي، إنني في أزمة ، وإن كان لي من أمنية فهي أن أجد نفسي في بلد، تناسب تقاليده عاداتنا وتقاليدنا، إنني في أزمة وغربة لم أعتد عليها وهي أزمة - يعلم الله- متى تنتهي!
ما الذي يدفع شاعراً أو أديباً إلى أقصى نقطة على وجه الأرض، وما الذي يدفع العلماء في الرياضيات والكيمياء والفيزياء، وما الذي يدفع الأطباء والمهندسين والفنانين إلى ترك أرضهم، ليعمل بعض منهم مدرساً خصوصياً أو عاملاً في بقالة أو محطة وقود؟ وما الذي يدفع الآلاف من هؤلاء لركوب الأخطار، للوصول إلى بلد قد يقبلهم وقد لا يقبلهم، وهناك العديد من الحوادث المميتة التي تعرض لها آلاف العراقيين في البحر والصحراء، لمحاولتهم البحث عن ملاذ آمن، وهو بطبيعة الحال غير بلادهم، إنه القهر والفقر!.
لا أحد سوف يذرف دمعة واحدة على صدام حسين، لو رحل، أو قتل، أو أعتقل، فقد كان هذا الحاكم فريد عصره في كل شيء، إنه قادر على تمزيق المعاهدات مع الدول علناً، وهو الوحيد الذي يخرج من حرب ليدخل في حرب أخرى، إن حروبه وحدها تلد بعضها، بطن الحرب لديه ولود، حتى وإن كانت تحصد ما تلد أولاً بأول، لا رحمة لديه ولا شفقة، باتر وغادر، إنه محب للموسيقى والأدب والسيجار والأدعية والدماء معاً، من يقرأ التاريخ لا يجد له شبيهاً، ولأن العالم لم يعد بحاجة لمثل هؤلاء القادة، فإنه بالتأكيد، لن يذرف دمعة واحدة عليه!
إن العراق لا يستحق ما جرى وما يجري له، خاصة وأن فيه حاكماً تلفه العناية، أي عناية؟ الله وحده يعلم، فقد غزا إيران وذبح مواطنيه بالكيماوي وغزا الكويت، وغزيت بلاده من أجل إيقاف جموحه العدواني، ومع ذلك فقد تم كل شيء وبقي هو، لامعاً وأنيقاً، بل إن سيجاره قد طال وسمك، وبدلاته وحتى أحذيته ازدادت لمعاناً، وابتسامته أصبحت تجمع بين السخرية والحكمة والكبرياء، كأنه يقول للجميع «باق وأعمار الطغاة قصار!» فالطغاة هم الذين غزوا العراق واندحروا، أما هو بكل غزواته ومبيداته فقد يؤدي رسالة لحماية العراق والأمة العربية، ومن أجل هذه الرسالة أخذ الكثير دون أن يعطي الجيران شيئاً سوى القنابل والصواريخ العابرة والأكفان الطائرة أما مواطنوه فقد فتح أمامهم باباً واسعاً للموت والانتحار وما لا عد له من الأمراض وفوق ذلك كله باباً واسعاً للهجرة، حتى الهجرة عن الفقر والقهر، كان يأخذ عليها رسوماً!
إن ملايين الناس الذي ذاقوا الأمن والحرية في بلدانهم بعد أن ذاقوا ذل وهوان ورعب الحروب يتظاهرون الآن ضد الحروب، أما نحن، أمة الحضارة والجهل والجوع والظلام، فقد ألفنا كل ما سبق لذلك فإننا مع العراق القوي الأبي، ومع صدام بابتسامته الأبوية الساخرة، معه لأنه يعطي بعضنا سيارات المرسيدس والفلل والمكافآت، أما شعبه فهو أدرى بشؤونه، ذلك ما يراه طبالو المآتم وهؤلاء الطبالون لا يوجد أحد منهم مثل الأوروبيين بادر بتشكيل دروع بشرية لمنع تدمير المنشآت العراقية، إنهم هناك أمام شاشات التلفزة وعلى أعمدة الصحف يمجدون قائد أم المعارك لعل وعسى يدخل بابا بوش فيعيث فساداً وتدميراً ثم يخرج تاركا فزاعته في قلب بغداد عملاً بمنطوق المادة الدستورية الأمريكية التي تمنع قلع الرؤساء والتي لم تطبق على العديد من الرؤساء الذي قلعتهم أمريكا مثلما تقتلع رأس بصل متعفناً من قعر الأرض، رائحة صدام زكية لذلك يأملون أن يخرج بابا بوش، من قلب بغداد بدونها لتزهر من أجل أحبابه، عشاق المرسيدس والفلل والمكافآت!.
لن تذرف دمعة واحدة على صدام، وإن كنا نذرف الدموع يوميا على أرض السواد وشعبها، فهم يستحقون الحضارة التي بنوها من آلاف السنين والثروات التي حبا الله أرضهم بها، ليعيشوا مرفهين منعمين آمنين.. سلاماً على أهلنا العراقيين حيث هم، وحيث نريدهم أن يكونوا اليوم أو غداً، هناك في أرضهم الطيبة.
فاكس: 4533173
|