Tuesday 25th march,2003 11135العدد الثلاثاء 22 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

صواريخ أمريكا وإرادة العراقيين صواريخ أمريكا وإرادة العراقيين
روبرت فيسك (*)

القصر الرئاسي للرئيس العراقي صدام حسين عبارة عن مبنى ضخم يتكون من عشرين طابقا وقد تم تفجيره ببساطة أمام ناظري واشتعل لسان من اللهب يمتد إلى ارتفاع مئة قدم.
وقد أدى صوت الانفجار إلى إصابة أذني بصمم مؤقت، وقد اهتز هذا المبنى الضخم تحت وطأة القصف القوي، وبعد ذلك جاءت أربعة صواريخ كروز جديدة لضرب المبنى.
وقد كان ذلك أعنف قصف تتعرض له بغداد خلال أكثر من عشرين عاما من الحروب المستمرة، وقد كانت أصوات الانفجارات تهز العاصمة بغداد في كل أحيائها، وقد كان على يمين المكان الذي أقيم فيه وزارة الإنتاج الحربي وهي عبارة عن سلسلة من المباني المتشابهة وتشبه كثيرا واجهة مبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، وقد اشتعلت النيران في هذه المباني بعد إصابتها بخمسة صواريخ كروز.
وفي إطار العملية العسكرية الأمريكية التي كانت تهدف رسميا إلى إصابة العراقيين «بالصدمة والرعب» على حد تصريحات القادة الأمريكيين أنفسهم فإن كلمة الصدمة كان مبالغا فيها ولم تحقق هذه العملية هدفها، فقد كنت في الشارع وكان حولي عدد من العراقيين الذين ربما ليسوا من أصدقاء صدام حسين وأعتقد أنهم يلعنونه في سرهم، وكان هؤلاء يتحركون في شوارع بغداد بطريقة طبيعية جدا، ومن أعلى المباني ومن النوافذ والمتاجر تساقط الزجاج الذي تحطم بسبب قوة الاهتزازات الناجمة عن انفجار الصواريخ الأمريكية، وكانت الصواريخ تتوالى دقيقة بعد دقيقة.
وقد شاهد الكثيرون من العراقيين كما شاهدت أنا طائرات بي52 العملاقة وهي تقلع من قاعدة فيرفورد في العاصمة البريطانية لندن في طريقها إلى قصف العراق، وكما فعلت أنا، نظر العراقيون في الساعة ليعرفوا توقيت خروج هذه القاذفات العملاقة وتوقعوا أن يبدأ سقوط قنابلها عليهم في حوالي الساعة التاسعة مساء.
وفي هذه اللحظة يبدأ الخوف من جديد وينطلق رجال الشرطة يجوبون شوارع العراق ويرددون في مكبرات الصوت دعوة العراقيين إلى النزول للملاجئ انتظارا للهجوم الجديد.
ويمكن أن تراقب عدداً قليلاً من العراقيين في شوارع العراق أو يحدقون من خلال النوافذ وقطع الزجاج التي حطمها الهجوم الأمريكي السابق متناثرة حولهم، وفي كل مرة فإن العراقيين يرون فقاعة من اللهب ذهبية اللون في أفق المدينة قبل أن يسمعوا أصوات الانفجارات لتهتز المباني تحت وطأتها وتنهار المباني التي استهدفتها الصواريخ والقذائف الأمريكية.
كنت أقف تحت إحدى الأشجار ثم جاءت موجة جديدة من صواريخ كروز لتمر فوق رأسي وصوت هذه الصواريخ يعبر تماما عن حجم التدمير الذي سوف تقوم به عندما تصطدم بالمباني العراقية.
وقد سألت نفسي.. كيف يمكن لي وصف كل هذا الرعب في تقرير عسكري ووصف اللون وتحديد قوة صوت الانفجار؟ عندما يمر صاروخ كروز في السماء يبدو وكأن شخصا ما يمرر ستارة حريرية ضخمة في أفق السماء وتصبح موجات الانفجارات نوعاً من مجرد لحن مرعب يصاحب السنة اللهب التي تتصاعد، وهذا شيء عبثي وفوضوي بالنسبة للمخلوقات البشرية ورد فعلهم على العنف، فالعراقيون وقفوا حولي يراقبون هذا الفيلم المرعب.
وفي هذه الأثناء ارتفعت ألسنة اللهب من الأدوار العليا في قصر الرئاسة العراقي لتصل إلى عنان السماء، ولكن الأمر الغريب هو استمرار شبكات الكهرباء في العمل واستمرار إشارات المرور في التحول من الأحمر إلى الأخضر بصورة طبيعية، وقد تلاشت معالم اللوحة الإرشاديةالموجودة تحت قوة الضوء الصادر عن الحريق المشتعل في مباني القصر.
وفوق رؤوسنا كنا نستطيع مشاهدة ستارة الدخان الكثيف التي كانت تتصاعد من الحرائق المشتعلة في سماء بغداد وكانت خيوط الدخان ما بين الأبيض الناتج عن الانفجارات والأسود الناتج عن الأهداف المحترقة، فكيف يمكن لإنسان أن يقاوم هذا؟ وكيف يمكن أن يؤمن العراقيون بأن تقنياتهم القديمة التي تدهورت بفعل 12 عاما من العقوبات والحظر الجوي تستطيع أن تهزم أجهزة الكمبيوتر التي تدير صواريخ وطائرات الأمريكيين؟ ولكن هذه هي القصة الأبدية.. الصراع بين القوة الهائلة وبين الشعوب.
وقد كانت الرسالة الأمريكية التي حملها الهجوم الأخير هي نفس الرسالة التي حملها الهجوم السابق وهي ضرورة الخضوع للولايات المتحدة، وأنه لا الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا حلف شمال الأطلنطي «الناتو» يستطيع الوقوف أمامها، ولكن العراقيون يستطيعون الوقوف في وجه أمريكا.
ولا شك أن وزير الإعلام العراقي في هذا الصباح سوف يبلغنا بذلك وسوف يؤكد على قدرة العراقيين على المقاومة، ونحن سننتظر لنرى، ولكن العديد من العراقيين يتساءلون بوضوح.. إلى متى سيقاوم العراقيون؟ وهذا لا يعني أنهم يريدون الأمريكيين والبريطانيين في عاصمتهم بغداد ولكن لأنهم يريدون وضع حد للحرب.
وقد صدرت التقارير العراقية تشير إلى سقوط عدد من القتلى المدنيين العراقيين نتيجة لهذا الهجوم الأمريكي، قد كان الهدف الواضح للهجوم الأمريكي هو مجمع الرئاسة العراقي وما يضم من قصور وفيلات.

* الإندبندنت البريطانية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved