كيف حدث ذلك؟ و هل كنا مستعدين لتقبله؟ لم يسألنا أحد إن كان لنا رأي ولو صغيراً في هذا العالم الذي يحيط بنا.. حتى و نحن نتظاهر في الشوارع الأوروبية. ونهتف باسم السلام الدولي الوهمي !
ليس صحيحا أن العالم يتحرك باتجاه مصائر الشعوب كما قال الجنرال « شارل ديغول» يوم دخل إلى البرلمان الفرنسي لأول مرة .. و ليس صحيحا أن «التغيير هو في النهاية حالة مبهجة»، كما قال «جاك شيراك» وهو يتلقى تلك الضربة التي وجهها إليه البريطانيون في ابريل 2001 في القمة الأوروبية بميونخ عندما اتهم «توني بلير» الرئيس شيراك «بالنفاق السياسي» .. ربما كانت تلك من المواجع التي لا نعتقد أن شيراك تجاوزها في علاقته برئيس الوزراء البريطاني شخصيا، الذي بعد سنتين من تلك الحادثة أعاد إلى الرئيس الفرنسي نفس التهمة بالنفاق نفسه، ذاهبا إلى حد اعتبار الحرب على العراق نتيجة التعنت الفرنسي إزاء الأزمة العراقية !
و لعل السب العلني الذي تعرض إليه «جاك شيراك» في الصحف البريطانية يعد من الجراح الأوروبية التي يصعب تجاوزها أيضا.. كل هذا كان من السهل تحليله داخل تلك الاختلافات الفرانكو سكسونية، التي يسميها الإنجليز الرسميين «بالفرانكو فوبيا» للتعبير عن الضغينة التي يحملها للفرنسيين الذين رفضوا هذه الحرب .. رفضوها إلى آخر لحظة ويرفضونها اليوم أكثر لأنها ببساطة حرب غير شرعية ولا عادلة ولا حرب تحريرية بل ببساطة شديدة : حرب السيطرة ..
مع بداية شهر «مارس» كنا نشعر أن العالم لن يصبح كما كان، وأن شيئا فظيعا سيحدث. فجأة على الرغم من الجميع حين ننام ليلا نضع رؤوسنا تحت الوسادة، بينما الضمير يرتعش من البرد. في وجهة ما تبدو أكثر غموضا و قتامة نستمع إلى الراديو، نشاهد التلفاز، نقرأ الصحف بحثا عن مزيد من الإنسانيين، عن الذين مثلنا يرفضون الغرق في مستنقع الدمار السياسي الشامل قبل أن نيأس أو نرمي بالمنشفة على الأرض.
هذا الصباح. كما الصباح الماضي.. نشاهد ملامح الحرب في الخليج، نرى الصواريخ تسقط متتابعة على العراق. بينما الرئيس الأمريكي يحذرنا في خطابه تحت سطور كلماته بالعقاب إن نحن عارضنا حربه تلك .. جورج بوش الابن الذي يقول عن نفسه «رجل عدالة» يجتهد كل يوم في إقناعنا أن القنابل العنقودية الساقطة على بغداد ليست لقتل الشعب العراقي، بل لحماية العراقيين وفي نفس الوقت لحماية الأمريكيين من العراقيين!
الحرب .. و الحرب .. وأيضا الحرب .. لا تضيفوا إلى أحزاننا، فالمؤشرات صارت حمراء ! تلك طريقة فقط. لتبرير إحساسنا بالإحراج أمام أنفسنا ..
العالم كله يشعر بالإحراج، لأن الحرب اندلعت على الرغم منه، و لأنه في النهاية سيكون هو نفسه ضحية كبيرة لتلك الحرب..
الضمير في حداد اليوم بينما الشعب الأمريكي يتظاهر في الشوارع رافضا الحرب مقتنعا أنها ليست حربه، لأنها ببساطة حرب شخصية لجورج بوش الذي يعرف جيدا أن الخاسر فيها لن يكون جيشا أو دولة، بل القيم الإنسانية و الأخلاقية التي دونما شك تسقط الآن تحت قنابل طائرات الأباتشي وطائرات البي 52 المتطورة التي «تضطر» إلى قطع مسافة الألف ميل لأجل تفريغ حمولتها على العراقيين لحمايتهم و لحماية الشعب الأمريكي منهم!
ربما شاهدتهم معي وجه ذلك الأب الأمريكي الذي جاءه نبأ وفاة ابنه في هذه الحرب .. كان وجهه معبرا عن كل تلك المشاعر المحبطة التي نعانيها، و معبرا عن رأي والد وصله للتو خبر موت ابنه .. قال رافعا صورة ابنه في وجه الكاميرا «يا جورج بوش. لقد قتلت ابني الوحيد»!
كان بامكان ذلك الأب المجروح في حبه لابنه أن يقول «أيها العراقيون لقد قتلتم ابني».. لكنه لم يفعل. لأنه كغيره من أسر الجنود الأمريكيين يعرفون أن موت أبنائهم هو نتيجة اختيارية و ليس إجبارية بمعنى أن رئيسهم قرر واختار الحرب اختار مكانها وزمنها ومفاجأتها. ولهذا لا يمكن اتهام العراق أنهم قتلوا أو يقتلون هؤلاء الأمريكيين. ولأننا نتهم إدارة القرار السياسي الأمريكي كونها التي تتحمل مسئولية ما يجري، وبالتالي يجب أن تتحمل عواقب ما سوف يجري ليس في منطقة الخليج فقط، إنما في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم.
أمريكا التي تحدت إرادة العالم و القوانين الدولية لن تستطيع فرض احترام تلك القوانين على أحد ولن يتسنى لها ذلك. وسوف يكتشف العالم أن من حقهم فعل ذلك أيضا .. من حقهم تحدي العالم. وضرب المواثيق الدولية والأخلاقية عرض الحائط . كما فعل «جورج بوش» .. كما فعل «توني بلير»، كما يفعل الإعلام الأمريكي لتمرير رسالة الحرب إلى العالم .. المسألة صارت مسألة تحد أكثرمن أي شيء آخر.
ثمة نقطة أخرى تعيدنا إلى الضمير الذي صار في حداد.. هي إسرائيل.. من المخجل أن تهدد إسرائيل بإبادة الشعب الفلسطيني لأنه يرفض «الالتزام» بالقانون..
القانون؟ أي قانون؟ يقول رئيس وزراء إسرائيل «نحن نعطي درسا جيدا في الصبر. نتمالك أنفسنا كي لا نحرج أصدقاءنا الأمريكيين!» طبعا يجب أن نضحك قليلا.. نجلس في بيوتنا ونتفرج على التلفاز، منتظرين أن يقدم العالم استقالته لصالح الخارجين على القانون..اليوم.
أمريكا أو إسرائيل.. لا فرق حين يتعلق الأمر بالقانون الذي يموت على أيديهما كل يوم !
فلنترحم على ضمائرنا إذن .. و لنبك !
* «نوفل أوبسورفاتور» الفرنسية
|