Tuesday 25th march,2003 11135العدد الثلاثاء 22 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

زمن التيه العربي زمن التيه العربي
د. سهام العيسى

ضلَّت أبل لعمرو بن الحارث الجرهمي بعد طرد قبيلته من مكه وهروبهم إلى اليمن، فبحث عنها فوجدها دخلت الحرم، وفكر أن يدخل إلى مكة ليأخذ أبلة، فسمع صوت عمرو بن لحي ينادي: من وجد جرهمياً فلم يقتله قطعت يده، فهرب إلى جبال مكة.. ذليلا «مطاردا» ورأى أبله تنحر ويوزع لحمها فأنصرف خائفا «غريبا» «تائها» في الأرض ينهمر شلال الأسى من أعماقه ويعلو صوته حتى يملأ أرجاء الكون وهو يردد:


وقائلة والدمع سكب مبادر
وقد شرفت بالدمع منها المحاجر
كأنه لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فقلت لها والقلب كأنما
يلجلجه بين الجناحين طائر
بل نحن كنا أهلها فأزالنا
صروف الليالي والجدود العواثر

وما بين تيه الجرهمي والتيه اليهودي... مسافات وانكسارات وعمر تلاشى في رحلة البحث عن الحلم الأمن والوطن الحلم... وما بين السبي البابلي ورحلة التيه اليهودي رحلة تحاول لم الشتات المتناثر في أصقاع الأرض وإعادة صياغة وتشكيل الحلم اليهودي والحفر في ذاكرة الأجيال وهم يرددون:


وسبى الذين بقوا من السيف إلى
بابل فكانوا له ولبنيه عبيدا

وتغرب الجرهمي وتاه وهو يحلم بالعودة:


أقول إذا نام الخلي ولم أنم
إذا العرش: لا يبعد سهيل وعامر
وبدلت منها أوجها لا أحبها
قبائل منها حمير ويحابر
وصرنا أحاديثًا وكنا بغبطة
بذلك عضتنا السنون الغوابر

ورحلة الزمن الممتد ما بين تلك الأجيال إلى زمننا الحاضر، يتجمع الشتات اليهودي خلالها من امتدات خطوط العرض ويسكن الحلم المنتظر أرض الميعاد، وتبدأ مواسم هجرتنا وإبادتنا عبر منافي الحياة ومرافئ الأنتظار ومابين 48 إلى وقتنا الحالي ونحن نعيش وهم الأحلام المبعثرة التي نحاول إعادة صياغتها وما بين رموز اندثرت تدريجيا تحت تأثير الشعارات الزائفة جميعا نسمع صدى انتصاراتنا السابقة ونحاول إعادة نسجها بخيوط الوهم، وما بين رموز اندثرت تدريجيا تحت تأثير الشعارات الزائفة، وما بين رحلة عمر المختار ومعمر القذافي ورواد ثورة العشرين وصدام خُدرت أحلامنا وكنا نحاول إعادة ترتيب عالمنا بعد كل انكسار وهزيمة وأسطورتنا الفنية تردد: هذه ليلتي وحلم خيالي، وتردد الملايين معها من المحيط إلى الخيلج بخدر يصل إلى نخاع العظام وهو تتجرع الهزيمة الواحدة تلو الأخرى نحاول مرات ومرات إعادة لملمة عالمنا والقبض على الحروف والمعاني التائهة لنبني دواخلنا المشتته ونردد عبر بوابات العالم: وين الملايين؟؟
نبحث عن إجابة لهذا السؤال الجماهيري في تجاويف الذاكرة.... لنجد أننا غزونا العالم بهروبنا وأننا أصبحنا رواد الغربة في العالم:
رقم أنا
مُعلق في عروة المفتاح
وحيدة في صمتي المرير
لا فرق بين العصر والصباح
وحدنا نعيش دوائر المنافي الأغلبية منا أرقام مهملة في أحصائيات اللاجئين وعيون حائرة تبحث عن الأمان في ظل هيمنة الآخر تحاول أن تنسج هوية غريبة تتبعها تشعر أنها أبواب الأمل المشروعة ثم تكتشف أنك لا تزال تدور في أفلاك الغربة، غربة تسكن تلك المنافي البعيدة الباردة في زمن التيه العربي يحاول البعض الانسلاخ والآخرون يحاولون ترسيب القيم الجديدة وما بين فلسطين والعراق يتشكل الحلم الذي سطع منذ الآف السنين، ويغزو الخوف داخلك وتنظر إلى خريطة وطننا العربي نغمض عينيك وتسد كل طرقات فكرك وأنت تحاول أن تستوعب تلك الحدود الوهمية وتدعوا الله أن لا تزول وتبقى كما حفظناها ونحن على مقاعد الدراسة، العتمة تزيد ويتسع عالم الظلام وأصوات غربية تملأ الكون ضجيجاً، وتقرع طبول الحرب، وشتات عربي آخر يلوح بالأفق. نحاول أن نهرب نعيد ترتيب قيمنا.. مبادئنا... أفكارنا، تهب العاصفة نشعر بضعفنا فجأة يلوح من بين ظلام الشتات شعاع أمل وتشرق شمس الحياة داخلك وتسري مع دمائنا وتستوطن أرواحنا ونتذكر وصية رسولنا الكريم لأبن عباس رضي الله عنهما يقول له عليه السلام فيها: (وأعلم إن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف).

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved