Tuesday 25th march,2003 11135العدد الثلاثاء 22 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أزمة الخليج الثالثة: فصل جديد لليل جديد، أم لفجر جديد؟ أزمة الخليج الثالثة: فصل جديد لليل جديد، أم لفجر جديد؟
طراد بن سعيد العمري / رئيس مركز سعيد العمري للدراسات الإستراتيجية والأمنية

بدأ القتال بين الولايات المتحدة والعراق كفصل واحد من فصول متعددة بعضها بدأ قبل أكثر من عقدين من الزمان، والبعض الآخر سيتلو فصل المعركة، لا نظن أن أحداً يرغب في القتال، فكما ذكر الحق سبحانه وتعالى ان القتال «كره» ولكن قد يكون فيه خير وقد يكون فيه شر {وّاللَّهٍ يّعًلّمٍ وّأّنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ}، لا يمكن لأحد ان يختلف حول سبب هذه الحرب وان النظام العراقي في ذاته الذي جر على نفسه وعلى بلده وعلى المنطقة بأسرها الويلات والشرور والوجود العسكري والأساطيل البرية والبحرية والجوية. حرب مع إيران دامت ثماني سنوات، قتل جماعي للأكراد، احتلال لدولة الكويت الجارة الصغيرة، ظلم وقهر وتشريد وتهجير لآلاف العراقيين عبر سنوات وسنوات، الهدنة التي بدأت في خيمة صفوان العراقية عام 1991م انتهت في منتجعات ازور البرتغالية، انتهى فصل وبدأ فصل في تاريخ العراق والمنطقة والعالم.
أما نحن في دول الجوار فقد فرضت علينا الحرب فرضاً «لم نأمر بها وتسوءنا»، لكن يظل لزاماً علينا التعامل مع هذه الحرب باستراتيجية حكيمة وحكمة استراتيجية لكي نوجه، قدر الإمكان، بعض مساراتها لأننا في النهاية من سيتعايش عن قرب مع أي نظام سياسي مهما كان شكله أو نوعه، لا أظن انه يهمنا كيف يأتي هذا النظام إلى السلطة لأن ذلك أمر يعنى به ويتعامل معه الشعب العراقي وحده كما سبق ان تعامل ذلك الشعب مع تلك الأنظمة السابقة، أنظمة أتت بها بريطانيا الدولة العظمى حينذاك، وأنظمة جاءت عن طريق الاتحاد السوفيتي القوة العظمى ردحاً من الزمن، لذا، فإن نظام يأتي عن طريق الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم اليوم، ليس مستغرباً أو خروجاً عن المألوف في تاريخ العراق الحديث.
ستنتهي أزمة الكويت مع نظام صدام حسين ولكن المهم أن تنتهي أزمة الكويتيين مع أنفسهم. الكويت لديه إشكالية جيوسياسية مثل كثير من الدول وعليه ان يتصالح معها بأفضل السبل، لا يمكن للكويت ان تعيش الهاجس والتوجس الأمني بشكل دائم لأن في هذا قلق كبير على الكويت والمنطقة بأسرها، تقع الكويت بين ثلاث دول كبرى: إيران والعراق والسعودية ولا يمكن للكويت تعديل ذلك أو تبديله، كما لا يمكن لها ان تعيش الشك السياسي والتوجس الأمني الدائم من تلك الدول مرحلة بعد مرحلة، على الكويت ان تنظر العديد من الأمثلة المشابهة في الخريطة الدولية ومن ثم تتخذ ما تراه مناسباً مع الوضع المحلي والاقليمي والدولي.
إسرائيل، كمثال، تقع بين ثلاث دول كبيرة نسبياً سياسياً وعسكرياً: العراق وسوريا ومصر، ولذا قامت إسرائيل باعتماد الخيار النووي لتأمين وجودها والتصالح مع إشكاليتها الجيوسياسية. سويسرا، أيضاً، تقع بين ثلاث دول كبيرة سياسيا وعسكريا: إيطاليا وفرنسا وألمانيا، لكنها تصالحت مع المشكل باعتماد مبدأ الحياد، إسرائيل كانت ومازالت وستظل بؤرة التوتر بينما سويسرا كانت على الدوام بنك العالم ومسكن الهدوء والطمأنينة.
أما بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية، فقد عشنا المد والجزر في العلاقة مع العراق منذ قديم الزمن، وقفنا مع العراق عندما كان الوقوف واجباً قومياً تمليه ظروف الحالة، ووقفنا ضد العراق عندما كان أمننا مهدداً ومصالحنا العليا والحيوية والحساسة تفرض علينا التصدي بحزم. ولا نظن، ان الموقف يختلف الآن، السعودية دولة جارة للعراق ومن أكثر الدول تأثراً باستقرار العراق سلباً وايجاباً ولذا فلا مجال لمزايدات تنطلق من هنا وهناك، أصبح لزاماً علينا القيام بأي عمل يكفل الأمن والاستقرار لمنطقتنا على المستوى القصير والمتوسط والبعيد. المملكة العربية السعودية كانت ومازالت وستظل بإذن الله حكيمة في تعاملها مع الأحداث الدولية. أحسنت القيادة السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله التعامل مع الحرب العالمية الأولى والثانية ومن ثم تعاملت القيادات السعودية مع الحرب الباردة وما بعدها وتم تجنيب البلاد والعباد بحمد الله شرور وويلات تحالفات خاسرة، نجزم بأن حكمة الصحراء باقية ويشهد على ذلك التاريخ والوقائع، ما نظن انه واجب التنبيه منه هو بعض الآراء التي تنطلق خلال الأزمات والمبنية على كثير من الحدس والظنون، إذ لا تستند تلك الآراء إلى علم شامل ولا تقدم تقييماً كاملاً.
شاهدنا في العقد المنصرم عدداً من «الخراصين» ينثرون الفتنة ويرجفون في المدينة دون علم ولا كتاب منير.
كثير من الأساطير وتضخيم للأمور وخيال جامح يعتمد في جزء منه على نظرية المؤامرة، وفي جزء آخر على جهل بالتحليل السياسي العلمي والربط الموضوعي للأحداث وسوء استقراء للتاريخ، بصرف النظر عن دوافع كثيرة من أولئك، سواء كانت بحسن نية أو غير ذلك، نرى ان الوقوف مع الموقف الرسمي والثقة الكاملة والمفرطة أيضاً بنهج الدولة هو السبيل الأوحد للنجاح وتحقيق الأهداف، يمكن لنا ان نجعل من فصول الحرب الحالية مسببات نجاح وخير لنا وللمنطقة وللشعب العراقي على وجه الخصوص، كما يمكن لنا ان نتقاعس ونغرق في أزمة الثقة وبالتالي نخرج من دائرة التحكم في مجريات الأحداث، يمكن لنا، أيضاً، ان نساهم في تعجيل فصول الحرب والمساعدة في أي عملية جراحية تستهدف استئصال الأذى مهما كان حجم الألم المصاحب، ومن ثم نساعد ونساهم في مرحلة التشافي والبناء والتعمير.
تضررت السعودية أيما تضرر خلال العشرين عاماً الماضية، قدمت المملكة للعراق قروضاً وهبات ومساعدات ببلايين الدولارات في عقد الثمانينيات، صرفت المملكة مبالغ كبيرة وطائلة في حرب تحرير الكويت وتجهيزات الدفاع عن أمن المملكة واستقرارها، ونظن ان الوضع الحالي مناسب لإعادة الاستثمار عن طريق اعادة الاعمار في العراق، تأثرت أسعار النفط في السنوات الماضية وها هي تعود الآن إلى مستويات يجب الحفاظ عليها قدر الإمكان لكي نسدد بعض فواتيرنا المحلية، عاش اقتصادنا المحلي بسبب الركود العالمي من جهة وبسبب الأوضاع غير المستقرة من جهة أخرى، أزمات متلاحقة في وقت يشتد فيه الحاح التحديات التنموية في السكان والتعليم والمياه والكهرباء والبنية التحتية إلى آخر تلك القائمة، أما الآن فيمكن للشركات والمؤسسات والمصانع السعودية ان تشارك بشكل فعال في اعادة بناء البنية التحتية ومشاريع الاعمار القادمة وبذلك تفيد وتستفيد.
أخيراً، التفاؤل أمر أساسي ومهم في حياة الأمم والشعوب {وّعّسّى" أّن تّكًرّهٍوا شّيًئْا وّهٍوّ خّيًرِ لَّكٍمً}. الثقة في القيادة وتفويض الأمر لله ثم لولاة الأمر مستحق وواجب، الاختلافات الجانبية في وجهات النظر واستغلال الأحداث لإثبات موقف أمر لا يستقيم مع معادلة الوحدة الوطنية التي أوجب ما تكون في وقت الأزمات، مساعدة الدولة في كل ما من شأنه تحقيق المصلحة الوطنية بكل أشكالها أمر واجب ومفروض، كما نتمنى على الاخوة الذين يضيئون الفضائيات بتحليلاتهم ان يتوقفوا قليلاً ويتفكروا في الانعكاسات السلبية من جراء التحليلات التي لا تستند إلى معرفة أو علم حتى لو كان أولئك من الصحفيين أو أعضاء في مجالس استشارية ويجب اعطاء القوس لباريها، ختاماً، من يدري فمن الممكن ان تنهي هذه الحرب ليل الشعب العراقي ويصبح العراق في عام 1441هـ عراقاً جديداً بجيل جديد وفجر جديد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved