يقولون إن التاريخ هي رواية المنتصر، فماذا يوجد في كتب التتار والمغول عن غزو بغداد عام «656» هجري، وما هي أشكال البطولات التي حفظتها كتبهم لجيوشهم؟؟
وماذا سيكتب التاريخ عن ليالينا الدامسات التي ينشطر فيها الوعي ويتشظى إلى فتات مرايا كل قطعة تحمل طعماً ولوناً وحزناً مغايراً.
العواطف لا تتفهرس وترفض أن تنصاع لجداول العقل، العقل الذي يقول إن بغداد هي الأسيرة التي تحترق اليوم كي تنطلق من نيرانها ورمادها كطائر العنقاء؟
هذا ما يقوله العقل لا بد من أن تحترق بغداد لتتطهر من دنسها وأدرانها وشياطينها، لكن القلب لا يستطيع أن يمنح مدينة الرشيد بسهولة إلى وحشية مارد النار.
ابني يبدأ في تصفح الدفتر الأول في السياسة العربية، ذلك الدفتر المثخن بالجراح واللامنطق، أحاول أن أقود أسئلته بحذر لا أريده أن يقع في منزلقات وتناقضات المرحلة، أريد لمهجته أن تظل متوردة متوهجة فخرا بأمته وعروبته.
ماما من يحارب الجنود الأمريكان؟
يحاربون صدام.
من ستضرب طائرة B-52 وهل قنابلها ستسبب زلزالا صغيرا؟
ستضرب صدام.
من أرسل الصواريخ على الكويت؟
صدام..
يتبرم ابني من أجوبتي المختصرة التي لا تروي اندهاشه وانبهاره بمنظر الجندي الأمريكي القوي المسلح الذي يشبه أبطال هوليود.
وأنا أحاول أن أنجو باسم العراق عن القضية لا أريد من العراق أو بغداد أن تتحول إلى خصم في ذهن صغيري، أناوره أخشى خدش ذاكرته الأولى، لا أريد جزءاً من وطنه العربي، أن ينتقل إلى خندق الأعداء ويبقى الخير كله معلقاً ببندقية الجندي الأمريكي المهيب الفخم الذي يشبه أبطال هوليود، وطائرة B-52 التي ينبهر بها أشد الانبهار كرمز للقوة المطلقة.
الشيء الوحيد الذي نتشبث به في زمن الانهيار هو أحلامنا، أحلامنا لا بد أن نمررها للأجيال القادمة دون أن تفقد بريقها، ويغادرها نبضها..
لا بد أن يكون هناك شمس صغيرة تتكون في نهاية هذا النفق المظلم، لا بد أن نحافظ على خريطة عواصم هذه الأمة موشومة فوق انحناءات الأضلع، حتى وإن تقاذفتها الخطوب والوحوش والبغاث.
|