من أخطر ما تواجهه المجتمعات البشرية أساليب الإرجاف التي تطلق من قبلِ أناسٍ لا خَلاق لهم، يقذفون بها في مجالس عامة الناس أخباراً مكذوبةً وحكايات ملفَّقة، وقصصاً بُولغ فيها حتى تحوَّلت إلى روايات طويلة لا تثبت أمام التأكد والتحقيق والتثبُّت.
الإرجاف يبدأ من عدوٍ حاقد، أو صديقٍ حاسدٍ، أو عميل للعدو، ثم ينتقل إلي عامة الناس الذين لا يتورَّعون عن ترويج ما يصلهم من الأخبار والقصص مع الزيادة عليها دون خوف من الله أو غيرة على المجتمع والأمَّة، وكما أنَّ المرجفين المتعمّدين لبث حكايات الإرجاف وقصصه مجرمون مستحقون لعقاب الله عز وجل في الدنيا والآخرة، فإنَّ أولئك الذين يتلقَّفون كلَّ ما يصل إليهم ويزيدون عليه وينشرونه بين الناس حباً لإبراز أنفسهم دون بذل جهدٍ للتثبُّت، إنَّ أولئك المتلقّفين لأكاذيب المرجفين يشاركونهم في الجرم، ويعرِّضون أنفسهم لعقاب ربهم.
في الأزمات، وفي خضمِّ الأحداث المؤلمة تنتشر الأراجيف بين الناس، وتسري الحكايات المختلقة على ألسنتهم، ويصبح ضررُها متحققاً على المجتمع والأمة، وهذه الأراجيف لا تنفع أحداً، ولا تردُّ عدوَّاً، ولا تحقِّق هدفاً نزيهاً، ولا تحافظ على أمن واستقرار، مع أنَّ صورة من ينقلها الظاهرة توهم الناس بحرصه وغيرته ورغبته في الإصلاح، والحقيقة أنَّ الذين ينشرون الأخبار الملفَّقة لا يخرجون عن صنفين من الناس: صنفٍ حاقدٍ يعرف ماذا يصنع وماذا يريد، وماذا يهدف إليه من وراء ما يروِّج له من أراجيفه وأباطيله، وهذا الصنف يتكون من فئتين، إحداهما فئة العدوِّ الحقيقي للمجتمع والأمة والعقيدة مثل «إدارة التوجيه الإعلامي» التي أُنشئت في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي تقوم بدور ضخم في نشر وترويج الأراجيف في عالمنا الإسلامي، وثاني الفئتين هم من يُطلق عليهم «الطابور الخامس» اولئك الأذيال الذين يستخدمهم العدو الحاقد في نشر ما يريد من أراجيفه، ويبذل لهم من الدعم المادي والمعنوي ما يجعلهم مخلصين في تنفيذ ما يريد العدو منهم في مجتمعاتهم، وبلادهم، وبين أهلهم، وهم الذين نطلق عليهم «خونة الأمة» من أبناء جلدتنا الذين يسخّرون أفكارهم وأقوالهم لخدمة الأعداء، ولترويج ما يريدونه من الأفكار والأخبار التي تصيب الأمة بقدر كبير من الإحباط واليأس خاصة اولئك الذين أبعدتهم المعاصي والشهوات عن الله عز وجل.
أما الصنف الثاني من مروِّجي الأراجيف فهم عامة الناس، والجهلة الذين لا يدركون ما وراء الأخبار، ولا يفهمون الأبعاد التي ترمي اليها الشائعات، وهؤلاء يحتاجون الى توعيةٍ وتوجيهٍ سريع، لأنهم يجهلون حقيقة ما يقدمون عليه، فهم لو علموا أنَّهم يروِّجون ما يريد أعداؤهم، وأنهم يحققون أهداف اولئك الأعداء المتمثِّلة في خلخلة المجتمعات المسلمة وإثارة الفتنة والقلاقل بين المسلمين، لما أقدموا على عملهم المشين، ولرجعوا إلى صوابهم، فإذا أدركوا أنَّهم بترويج الأراجيف يخدمون أعداءهم بالمجَّان ويُعينون الشيطان على أهلهم ومجتمعاتهم، تراجعوا عن ذلك وأراحوا واستراحوا.
إنَّ الأراجيف التي تنطلق هذه الأيَّام من مصادر شتى، ومنافذ متعددة إنَّما تستهدف التآلفَ والتكاتُف بيننا، وتَسْعَى إلى إثارة النَّعرات والأحقاد، ونشر الظنون السيِّئة بين المسلمين، وإثارة العامَّة بالترويج لبعض السلبيّات والأخطاء مع تضخيمها ممَّا يدفع المتهوِّرين من أبناء الأمَّة إلى إثارة القلاقل، وشقّ عصا الطَّاعة لله سبحانه وتعالى ولرسوله ولولاة أمر المسلمين وعلمائهم.
إنَّ الأخطاء والسلبيات لا تُعَالج بالاستجابة للأراجيف المدروسة المبثوثة من قبل أعداء الأمَّة في أوقات الأزمات، وإنما يتخذها الأعداء ُسلَّماً لأهدافهم البعيدة والقريبة، وقد جرَّبوا أكثر من مرَّة ضرب المسلمين ببعضهم حتى ضعفوا، ثم انقضَّوا عليهم.
الأزمات والأحداث الساخنة تحتاج إلى تكاتُفٍ ووقوفٍ صادقٍ في صفٍ واحدٍ متلاحم حتى نفوِّّت على الأعداء فرصة التمزيق التي يتوقون إليها.
إشارة:
أَنظلُّ نركضُ في المهامهِ، والهُدى روضٌ ينادينا إليه شَذاه
|
|