* الجزيرة - الترجمة (*) :
يقول المسئولون العسكريون الأمريكيون ان الضربة الأمريكية ضد العراق ستكون «صدمة» للعراقيين وهذا صحيح، وعندما تنتهي الرقصة الدبلوماسية وتتساقط الصواريخ والقنابل من الطائرات الحربية لتضرب الأهداف العراقية بدقة تفوق ما حدث في حرب الخليج الثانية عام 1991، تتحدث أمريكا بثقة عن انتصارها وهو بالطبع أمر مؤكد في ضوء التفوق التكنولوجي الهائل للجانب الأمريكي، ولكن هناك الكثيرمن الأمور التي مازالت غير معروفة ،ليس فقط بسبب غياب المعلومات وإنما بسبب المعلومات المضللة التي تتسرب عمدا من وزارة الدفاع الأمريكية.
لذلك كيف ستمضي الحرب التي احتشد لها قرابة ربع مليون جندي أمريكي وعشرات الآلاف من الجنود البريطانيين؟، والحقيقة أن الحرب بدأت بالفعل، فالقوات الخاصة البريطانية والأمريكية تعمل بالفعل حاليا في الأراضي العراقية لتحديد الأهداف المنتظرة للقصف، كما كثفت الطائرات البريطانية والأمريكية طلعاتها على منطقة الحظر الجوي على جنوب العراق خلال الفترة الأخيرة، والأمريكيون يقولون إنها مجرد طلعات روتينية، ولكن طائراتهم تقصف مواقع محددة للصواريخ أرض- جو العراقية، كما أن الحرب النفسية بدأت هي الأخرى بالفعل، فالكثير من بيانات وزارة الدفاع الأمريكية تستهدف آذان العراقيين،وأخيرا القنبلة الأمريكية الضخمة التي جرى اختبارها أخيرا في صحراء فلوريدا وأطلقوا عليها اسم «أم القنابل»، كما أن أمريكا تسقط بالفعل ملايين المنشورات وتدير محطة إذاعية عربية تستهدف العراقيين في جنوب العراق تدعوهم للثورة على الرئيس العراقي صدام حسين،وتبلغ هذه الرسائل القوات العراقية كيفية الإعلان عن استسلامهم،والحقيقة أن أمريكا سوف تعتمد في بداية الحرب على القوات الجويةكما حدث في افغانستان.
يقول الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إنه يتوقع سقوط ثلاثة آلاف قنبلة «ذكية» على العراق خلال الثماني والأربعين ساعة الأولى من الحرب.
ومن المتوقع أن تستهدف الضربات الجوية الأمريكية الأولى مراكز القوة الحكومية العراقية مثل القصور الرئاسية ومراكز القيادة والسيطرة في العاصمة بغداد وربما النطاقات الدفاعية حول المدينة التي يشكلها الحرس الجمهوري العراقي والحرس الجمهوري الخاص.
وتراهن أمريكا على التقدم التكنولوجي الذي تحقق خلال السنوات العشر الأخيرة منذ نهاية حرب الخليج الثانية، ففي تلك الحرب أخطأت أكثر من تسعين في المائة من القنابل الأمريكية أهدافها، ومع ذلك فإن القوات الجوية لن تستطيع أن تنهي الحرب بمفردها، فإسقاط القنابل من الطائرات لن يمكن القوات الأمريكية والبريطانية من الإطاحة بصدام حسين وهو الهدف الأساسي لهذه الحرب كما أعلنت الإدارة الأمريكية.
كما ان الضربات الجوية لا يمكن بالضرورة أن تقضي على أسلحة الدمار الشامل التي تقول أمريكا ان صدام يمتلكها وهو سبب ثان للحرب من وجهة النظر الأمريكية، بل إن العكس هو الصحيح تماما حيث يمكن أن يؤدي القصف الجوي لأحد مستودعات الأسلحة الكيماوية إلى كارثة نتيجة تفجير هذه الأسلحة إلى انتشار أسلحتها السامة، وهنا يأتي الدور المفترض للقوات الخاصة البريطانية التي يقول الأمريكيون أنها ستتولى شل القدرات العراقية في أسلحة الدمار الشامل طبعا بافتراض أنهم يعرفون مكانها،وبالطبع سيكون هناك غزو بري كبير،ولكن يجب الاعتراف بأن القوات المحتشدة للحرب تقل عن نصف تلك القوات التي احتشدت لحرب الخليج الثانية والتي تجاوز عددها نصف المليون جندي،كما أن القوات البرية قد تحتاج إلى مساعدة جوية في هذه المعارك مع تدفق قوات برية هائلة من شمال الكويت بالإضافة إلى تقدم عناصر الكوماندوز البريطانية والمارينز الأمريكية للسيطرة على مدينة البصرة وحقول البترول حولها في جنوب العراق.
وعندما تتقدم هذه القوات نحو العاصمة بغداد فإنها ستصطدم بقوات الحرس الجمهوري، ويحاول المخططون العسكريون الأمريكيون فتح جبهة شمالية ضد العراق أيضا ولكن هذا يكتنفه بعض الصعوبة في ضوء التردد التركي في السماح بانتشار حوالي 62 ألف جندي على أراضيها شمالي العراق وفي حالة الموافقة فسيكون الوقت قد تأخرلنشر القوات الأمريكية واتخاذها مواقع تشارك من خلالها في الحرب.
ورغم الموقف التركي فهناك عدة بدائل أمام القادة الأمريكيين لفتح مثل هذه الجبهة الشمالية مثل نقل الفرقة 101 مشاة المنقولة جوا من الكويت إلى شمال العراق أو نقل قوات أمريكية بالطائرات مرورا بإسرائيل والأردن، ومهما يكن فإن الدور العسكري الأمريكي يمكن ان يدعم المعارضة العراقية وفي نفس الوقت يمنع أي اشتباك بين الأكراد والقوات التركية المتوقع تدفقها نحو شمال العراق بمجرد بدء القتال.
ومن الواضح أن الأمريكيين والبريطانيين يتطلعون إلى حرب قصيرة وخسائر محدودة.ولكن ربما لا يستسلم صدام حسين بسهولة لذلك فمن المتوقع أن يكون هناك آثارجانبية كبيرة مع استمرار القتال.
والحقيقة أنه يقال ان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد يحتفظ بقائمة بالتداعيات السلبية على مكتبه يراجعها باستمرار، وبالطبع على رأس هذه القائمة احتمال لجوء صدام حسين إلى استخدام أسلحة دمار شامل ضد القوات الأمريكية أو إقدام العراقيين على إشعال الحرائق في حقول البترول العراقية كما حدث في حرب الكويت عام 1991، أو إطلاق صواريخ سكود على إسرائيل في محاولة لتوسيع نطاق الحرب،وقد حفر العراقيون خنادق كبيرة حول العاصمة بغداد وتم ملؤها بالبترول لإشعال النيران فيها بهدف إنتاج سحابة كثيفة من الدخان تضلل القنابل الذكية.
وقد ركز صدام حسين دفاعاته حول العاصمة بغداد والتي يمكن أن يجعل منها معركته الأخيرة، وربما تحاول قواته الخاصة الدفاع عنه وعن العراق حتى آخر لحظة بخوض معارك مدن من شارع إلى شارع وربما يلجأ صدام حسين إلى استخدام المدنيين العراقيين كدروع بشرية كما حدث عام 1991.
وبالفعل هناك تقارير عن تمركز بعض الوحدات العراقية في المناطق السكنية بالعاصمة بغداد، ويراهن صدام حسين على أن استمرار المعركة لفترة طويلة مع سقوط أعداد كبيرة من القتلى من الجانبين سوف يزيد من الضغوط والصعوبات السياسية التي تواجهها كل من أمريكا وبريطانيا.
وحتى لو تمكن الأمريكيون والبريطانيون من إنهاء المرحلة الأولى من الحرب لصالحهم فستظل بعض التحديات التي تواجه المخططين العسكريين مثل عدد القوات المطلوب بقاؤها في العراق بهدف الحفاظ على السلام والنظام، وكيفية تحييد كل من الأكراد والأتراك في الأزمة، وتوفير المساعدات الإنسانية لملايين اللاجئين.
ومواجهة الهجمات الانتقامية من جانب الوطنيين العراقيين بعد الاحتلال، إذن فالمخاطر التي تواجه الحلفاء سوف تظل عالية حتى بعد أن يطلق الجنود الطلقة الأخيرة في المواجهة العسكرية القادمة.
(*) عن «مجلة الإيكونوميست»
|