* القاهرة - رويترز:
تتردد أصوات تغريد طيور وقصف قنابل وصافرات انذار مع رنات العود في القاعات المزينة لبيت الهراوي الذي يعود إلى القرن الرابع عشرة تقام فيه عروض فنية.
وفي قاعة مضاءة بشعاع شمس خافت يتسلل من خلف المشربيات الخشبية أمسك نصير شمة بعُوده وعزف مقطوعة موسيقية من تأليفه تصور اطفالا يحرقون احياء في قصف امريكي لمخبأ للمدنيين في بغداد في عام 1991. وقال «ذهبنا إلى المكان ورأيت كيف تحول الاطفال الابرياء إلى قطع من الفحم الاسود حتى أن امهاتهم لم يتمكن من التعرف عليهم».
ويضيف شمة انه يستخدم عوده لنقل معاناة شعبه الذي يشهد حربا ثالثة خلال 20 عاما، وإلى جانب كونه عازفا ومؤلفا موسيقيا ومعلما طور شمة اساليب جديدة في العزف على العود بيد واحدة ليتمكن المعوقون من جراء الحروب من الاستمتاع بالعزف على العود.
وتابع «عملت عمري كله من اجل الشعب العراقي ولا تعنيني الحكومات الموجودة او القادمة او الماضية... انا موسيقي يخصني وجدان الناس».
وبعد قصف مخبأ العامرية اثناء حرب الخليج عام 1991 امضى شمة ثمانية ايام في تأليف مقطوعته وسط انقاض المخبأ الذي تقول الامم المتحدة إن 204 مدنيين قتلوا فيه بينهم عدد كبير من الاطفال.
وقال شمة (39 عاما) الذي يعتبره البعض افضل عازف منفرد على العود في العالم «حولت هذا القبح... إلى فن... كانت رسالة من الاطفال وانا كنت الوسيط، دخلت المكان حيث احترقوا وتقمصت ارواحهم وعبرت عنها بالغضب».
وعزف شمة مقطوعة العامرية التي تعيد للاذهان أصوات القصف وصافرات الانذار في مدريد في وقت سابق هذا العام امام آلاف من معارضي الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على العراق.
ويقول إن الصور التي نقلتها موسيقاه ساعدت في الحفاظ على ذكرى ما حدث. وتابع «ازعم انني من حافظ على بقاء الملجأ إلى هذا اليوم كما هو».
وسجل شمة معاناة بلاده في الحرب في مقطوعات اخرى منها مقطوعة (الحياة والحرب والسلام) عن الحرب العراقية الايرانية بين عامي 1980 و1988.
وقال انه حاول أن يشرح «كيف كانت الحياة عظيمة وكيف جاءت الحرب بكل بشاعتها وكيف جاء السلام الا انه لم يكن انتصارا لا للعراق ولا لإيران».
ومنعت الحروب العراقية شمة الذي بدأ في العزف على العود من سن الحادية عشرة من تحقيق طموحه بدراسة التأليف الموسيقي في أوروبا. وقال إن الحرب سرقت أحلاما ومزقت أسرا. لكن معايشته لحرب عام 1991 علمته تقدير قيمة الحياة.
وقال «تعلمنا بعد الحرب كيف نعيش الحياة... اصبحت كل دقيقة مقدسة. اعتبر وجودنا فترة قياسية صغيرة يجب أن ننجز فيها الكثير من الاشياء». واتبع شمة خطى عازفين معاصرين للعود منهم منير بشير الذي اكتسبت اعماله شهرة واسعة في السبعينيات والثمانينيات.
وجذب ارتباط العراق التاريخي بالعود شمة إلى هذه الآلة. وقال «احاول أن اشرح أن هذا الشعب العراقي شعب عظيم وشعب حضارات وشعب عريق».
والآن يدير شمة مدرسة لتعليم جيل جديد من عازفي العود. وتأسست المدرسة في بادئ الامر في دار الاوبرا المصرية ثم انتقلت في عام 2002 إلى بيت الهراوي بالقرب من جامع الازهر.
وقال «اريد نقل ما عندي للآخرين وأراه وأسمعه... استمتع بأنني رأيت طلبتي الآن وقد اصبحوا اساتذة».
|