وسائل الإعلام الحديثة وحجم قوة تأثيرها وجذبها للمشاهد.. استطاعت أن تجعل الجميع بدون استثناء يعيشون الأحداث مرغمين.
** صحيح أن أكثر الأحداث تهمنا.. مثل أحداث فلسطين والأحداث الأخيرة في العراق.. لكن كان الوضع الإعلامي في السابق.. يجعل الكثير غير قريبين من تفاصيل الأحداث.. بينما القلة = وهم المعنيون = هم القريبون جداً من الحدث.. ويعرفون تفاصيل الكثير مما يجري.
** اليوم.. تتسابق عشرات المحطات التلفازية على نقل الأحداث حية على الهواء.. بالصَّوت والصورة.. ولها أكثر من مراسل.. وأكثر من عدسة وكاميرا.. ولها أكثر من وجود في مدينة واحدة.. كبغداد مثلاً.. أو الموصل.. أو البصرة.. أو ما شاكلها.
** لم يعد بوسع أحد اليوم أن يقول.. لست معنياً بتفاصيل الأحداث.. وكل ما يعنيني.. أنني جزء من الجسم العربي والجسم الخليجي والجسم الإسلامي.. ومن واجبي أن أشعر بالحدث.. وأتضايق لما يجري فقط.. بل إن وسائل الإعلام الحديثة.. جعلته في بؤرة المشكلة.. وصار (مدووشاً) طوال الساعات بكل حدث صغير أو كبير.. والمشكلة.. أن هؤلاء قد جاوزوا السبعين.. وربما التسعين عاماً.. وبعضهم مرضى بالقلب والسكر والضغط وأمراض أخرى.. وأعصابهم لا تتحمل..
ولهذا.. تجد أكثرهم يشاهد التلفاز وهو يبكي طوال الوقت.. وتجده يتناول في اليوم ثلاث أو أربع حبات مخفضة للضغط ومثلها للسكر.. ومثلها للقلب وهكذا.
** إذاً.. وسائل الاعلام الحديثة.. على ما تحمله من منافع وفوائد ومعلومات.. وما حققته من تقدم إعلامي كبير.. وجعلت الحدث قريباً منا.. هي أيضاً.. ساهمت في التسريع بالمرض.. فهذا يكتشف أن السكر نخر جسمه.. وأخر لا يدري أنه مصاب بالضغط إلا إذا نزف أنفه أو «انَْجَعَفْ» بين أولاده.
** اليوم.. هناك كبار السن من رجال ونساء يسهرون أمام المحطات لمتابعة الأحداث مع أن هؤلاء ليس في وسعهم أن يعملوا شيئاً غير الدعاء..
وهو لا شك مهم جداً ولا يستهان به ولكن.. يمكنهم أن يدعوا وهم بعيدون عن الشاشة التي قد تجلب لهم المزيد من الأمراض والإزعاج والتوتر والقلق.
** بالأمس.. أو على الأصح قبل عشر أو عشرين سنة أو أكثر.. كان بعض كبار السن يحمل معه «راديو» يتنقل به بين مجلسه وفراشه.. وهنا وهناك..
ويعرف المحطات الاذاعية واحدة واحدة.. ويعرف التعليقات على الأنباء.. وينقل للآخرين كل ما يجري وبكل أمانة.
** واليوم.. صار بعضهم أمام التليفزيون يقلب المحطات بإصبعه محطة محطة.. ويبدأ في متابعة الأحداث وهو على بعد مسافة عشرة أمتار عن التلفاز..
** ما أعنيه هنا.. هو أن لهذه المحطات التلفازية إيجابيات بلا شك.. لكن لها أيضاً.. سلبيات كثيرة.. ومنها هذه السلبية التي تحدثت عنها.
|