أعتقد أن هذه الحرب انتهت كما انتهت الحرب الأفغانية. فطالما سمحنا للحرب أن تبدأ فما علينا سوى أن نتفرج على وهج النهاية.
من الواضح أن هذه الحرب بالنسبة لأمريكا حرب ترفيه ليست حربا تتوفر على احتمالات الربح والخسارة. بل ليست حرباً محتملة الخسائر على الإطلاق. تفتقر لأدنى درجة من الفروسية، يأتي الجنود الأمريكان ليحققوا لأمريكا مجداً زائفاً وهي لا تختلف عن حربها على أفغانستان أما بالنسبة لنا فهي حرب قابلة للنسيان تذكروا أننا سلمنا أفغانستان ونسيناها تماماً حتى هؤلاء الذين تباكوا على طالبان صمتوا كأن الأمر لا يعنيهم وليس لنا من عزاء إلا حقيقة أن أفغانستان كانت تحت حكم طالبان الظلامي، وأن ما انتهى وما خرج من الوجود هو حكم الظلام وليس الشعب الأفغاني المسلم. وسوف نحصل على نفس العزاء عندما ننسى العراق، لأن العراق الآن تحت حكم لا يقل جهالة وقمعاً وظلاماً عن طالبان، وما يعزينا في النهاية أن كلا الحكمين في الأصل صناعة أمريكية، فاليد التي بنت هذه الحكومتين تأتي الآن وتهدمهما بعد أن فقدتا صلاحية استمرارهما.
إذا أردنا أن نتكلم علينا أن نبدأ الحديث عن الحرب القادمة، معظم الدول العربية وكثير من الدول الإسلامية مرشحة أن تكون هي التالية، فإزالة الحكومات واستبدالهم صناعة أمريكية أثناء الحرب الباردة كان محور نشاط واشنطن أمريكا الجنوبية كانت تبدل الحكام وتغيرهم في أمريكا الجنوبية كما تغير كفرات السيارات، هناك فترة صلاحية لهؤلاء الحكام التي تدعمهم امريكا بحكم أن كل حكم فاسد له مدة صلاحية ثم يتعفن مما يستوجب استبداله، وما يجري في العراق وما جرى في افغانستان هي بداية لعبة تغيير الحكام على مستوى العالم تعرف أمريكا من هم الحكام الذين تستطيع أن تزيلهم برفاهية وبمجد زائف، لا تستطيع أن تذهب إلى السويد وتغير حكومتها، فهي تعرف أن كل الشعب السويدي سوف يقاتل ولكن في العراق أو في أفغانستان تعرف أنه لن يقاتل إلا أزلام النظام، وليست توقعات الأمريكان أنهم سوف يستقبلون في العراق بالورود مجرد أماني بل تتوفر على حقائق، وسنرى ذلك قريباً على أرض الواقع عندما يفرج الجيش الأمريكي عن مئات الألوف من السجناء، وعندما يعود المشردون العراقيون إلى وطنهم، أما هؤلاء الذين تجرى معهم المقابلات التلفزيونية بعد القصف (ويرددون كلمة خسئوا) ليسوا سوى رجال المخابرات البغيضة، فالشعب العراقي كما كان الشعب الأفغاني يواجه حرباً لا تعنيه، يعرف أن ساعة صدام أزفت ولكنه لا يعرف من هو كرزاي العراق القادم وكم مدة صلاحيته قبل أن يتعفن.
أيها الاخوان ليست مشكلتنا في هذه الحرب لأنها انتهت، وليس هذا القصف الجوي سوى فصلها الدراماتيكي الأخير.. فكما نشاهد في المسرحيات. الفصل الأخير يتم فيه التصعيد الدرامي ويزداد فيه التوتر ولكنه في الواقع نتيجة فصول سبقته فالمسرحية بدأت في اللحظة التي أعلن فيها صدام حسين أنه يستطيع أن يحرق نصف إسرائيل بعدها تكركبت الأمور حتى وصلنا إلى هذه النهائية، كل حاكم متعفن لا يحتاج إلا إلى غلطة واحدة لتبدأ مسرحية زواله، أمريكا لم تعد محصورة في امريكا الجنوبية كما كانت في الحرب الباردة، ميدانها الآن العالم كله الذي يريد أن يعرف ما الذي يمكن أن يحدث في العالم الإسلامي عليه أن يقرأ كتاباً مختصراً عن تاريخ أمريكا الجنوبية الحديث.
كما أنصح القارىء الكريم قراءة رواية (حفلة التيس) للروائي البيروفي ماريو باراغاس يوسا ليعرف خفايا الأنظمة الفاسدة التي تصنعها وتدمرها أمريكا.
فاكس: 4702164
|