* أحياناً، تنازع النفسَ رغبةٌ في اللجوء إلى «واحة الحلم» الْتماساً للأمن من زَوابع الحاضر، أو فراراً من إخفاقاته!
* والحلم رحلة رومانسية عبر دهاليز الوجدان شئوناً وشجوناً.
* وهو حالة من التمرد الصامت تمارسه النفسُ بإرادةٍ وبدونها سّراً أو علناً على ما حولها ومَنْ حولها، ممّا تراه رمزاً للحزن، وأفول الحظ، وسراب الأمل!
* *
* وأرى بعد ذلك كلِّه، أن الحلمَ حالة من نور ونار!
* فهو نورٌ كلّما اقْتَرن بالوسيلة المبْدعة لتحقيقه!
* وهو نارٌ كلّما حلّق بصاحبه في أجواء يحتضنُها السراب!
* *
* وقد علّمتني الحياةُ أن أمرَّ الأحلام أعذبُها، لكنَّها في هذا الحال تظلّ أطيافاً لا تمنحُ حقّاً ولا تْردعُ باطلاً! والحديث عن «الحلم» معينٌ لا ينضبُ، يستمدُّ من الحلم نفسِه شفافيتَه ورحابةَ أُفقِه وسطوةَ مضْمونِه، لكنه، في كل الأحوال، يظلّ حديثاً مَغلّفاً بخصُوصّية «الأنا» التي تمنح «الحلم» شأناً خاصاً لا شأنَ لأحدٍ به ولا سلطان
* *
* بعد هذه المقدمة التي لم يكن منها بدُّ، أُوجّه دفّةَ الحديث إلى الحلم نفسه من منظور ذاتيّ صِرْف، وأبسُطُهُ عَبْر عددٍ من المحاور القصيرة، بدءاً بالتعريف به فأقول:
* إن الحُلمَ عندي مراتبُ، أعلاها المستحيلُ وأدناها الممْكِن، وأوسطُها ما لا يتَأتَّى تحقيقُه في اللحظةِ والآن، لظرفِ زمانٍ أو مكان، أو لعلّةٍ من عِلَل النفس والهَوى تَتَطلّب ترْويضاً يعدّل مائلهَا، ويصلحُ ما أفسدَه الزمانُ بها!
* *
* وقد سئلتُ مرةَ، عمَّ تحلم، فقلت دون تردّد:
* أحلمُ بعالمٍ مفرَّغٍ من الحرب، مسكونٍ بالحب، نقيِّ من الأَثْرة، غنيِّ بالايَثَار، وأحلم بعالم يعشقُ حريةَ الإنسان المسئولةَ وكرامتَه، ويبْدعُ في ردْم فجوات الفقر والجهل والمرض التي تعوق أداءَه، حيثُما وُجِد!
* *
* والحديثُ عن الأحلام، يذكّرني بأطلال طفولتي و«أحلامها»، وأغربُ ما في تلك الطفولة أنني لم أحلمْ بأيٍّ ممّا تحقّق لي حتَّى الآن سواءً في الشأن الشخصي أو الشأن العام، والسَّببُ في ذلك أنّ مسَاحةً هامةً من طفولتي كان يكسُوها جليدُ الحِرْمان من حَنان الوالديْن، وكان حُلمي الطفوليُّ اليتيمُ آنِئذٍ أن أنعمَ كبيراً بما افْتقدتهُ صغيراً، بدْءاً بالغذاء ذي السعرات الغنية بالحياة، وانتهاءً بالثوب والحذاء! وأحمدُ اللّهَ من قُبل ومن بَعدُ أن تحَّققَ لي أكثر ممّا كنتُ أحلمُ به أو أتوقُ إليه!
* *
أختمُ هذا الحديثَ بوقفاتٍ سريعة حول الحلم فأقول:
* إذا تعثّرت خُطَاك، قارئي العزيز، في درْبٍ من دروب الحياة ولم تُصبْ حلماً من أحلامك، فلا تنعِ حظَّك العاثرَ، أو تلعن الفشلَ، أو تلاحق مغتالَ حلمك، بل نمْ ملءَ جفونِك قريَر العْين.. واحلمْ من جديد فالأيام حُبْلى بكل جديد!
* *
* المرءُ الذي يحلمُ بالمستحيل.. يحوّلُ حلمَه إلى نصْلٍ يغتالُ فيه إرادةَ الإبداع!
* *
* أخيراً، الأحلامُ أصنافٌ، منها ما يْرقى إلى مستوى الإلهام.. ومنها ما يهبط إلى ما دون ذلك، عندئذٍ، يغدو الحلمُ إفْرازاً لبعض «فضلات» العقل الباطن، لا يغني من الحق أو الفضيلة شيئاً!
|