Monday 24th march,2003 11134العدد الأثنين 21 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قراءة في كتاب قراءة في كتاب
حق التضحية بالآخر «3»
د.عبدالله الصالح العثيمين

أوضح الأستاذ العكش في الفصل الرابع من كتابه وعنوانه: كمائن الاتفاقيات كيف أمضى جورج واشنطن حياته في الاستيلاء على أراضي الهنود والمضاربة بها وبناء ثروة هائلة وضعته على قمة هرم أغنياء قارة أمريكا. ثم أوضح كيف نكث الرؤساء الأمريكيون من أصل أوروبي الاتفاقيات التي توصلوا إليها مع أولئك الهنود.
أما الفصل الخامس من الكتاب وعنوانه: اقتل الهندي واستثن الجسد فتحدَّث فيه الأستاذ العكش عما قام به الأمريكيون من أصل أوروبي من جرائم في حق سكان أمريكا الأصليين، مثل محاولة طمس هوية من لم تتم إبادتهم في الماضي، وقتل كثير من هؤلاء الذين نجوا من تلك الإبادة بالنفايات المشعة من مناجم اليورانيوم، وتحويل آخرين إلى حقول تجارب في المختبرات البيولوجية كما حدث في منتصف الثمانينات من القرن العشرين عندما أجرت شركة نورث سلوب على هنود الإنويت تجارب طعم التهاب الكبد الوبائي.
وأما الفصل السادس وعنوانه: المعنى الاسرائيلي لأمريكا فبدأه المؤلف باقتباسين: أحدهما لجورج فوكس المتوفى سنة 1691م، والآخر لجيمس بولدين، عضو الكونجرس ما بين سنتي 1834 و1839م. قال الأول: «أن تكون يهودياً باللحم والدم لا يعني شيئاً، أما أن تكون يهودياً بالروح فهذا يعني كل شيء».
وقال الثاني: «قدر الهندي الذي يواجه الأنجلوسكسوني مثل قدر الكنعاني الذي يواجه الاسرائيلي: إنه الموت»..
وهكذا كما يقول المؤلف لم تكن أمريكا إلا الفهم الإنجليزي التطبيقي لفكرة اسرائيل التاريخية. وكل تفصيل من ذلك الاستعمار لها حاول أن يجد جذوره في أدبيات تلك الاسرائيل، ويتقمَّص وقائعها وأبطالها وأبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية، ويتبنَّى عقائدها في «الاختيار الإلهي» وعبادة الذات وحق تملك أرض الغير وحياته.
وأوضح المؤلف أيضا، كيف كتب الأوائل من الأمريكيين البيض مؤلفاتهم وفق ذلك المفهوم..
ومن ذلك ما كتبه رئيس جامعة هارفرد، صموئيل لانغدون، في كتابه: جمهورية الإسرائيليين: نبراس للولايات الأمريكية. ومن كتابات أولئك الأوائل يتضح انهم كانوا يرون أن أمريكا هي المؤهلة لأن تمسك بمصير الإنسانية، وأن اللّه أغدق عليها ما تحتاج للإمساك بهذا المصير، وهيأ لها الميسم الذي ستدفع به ظهور شعوب الأرض. ولقد أكّد تيرنر في كتابه: مشكلة الغرب على أن التوسع والحرب كانا أساس النماء الاقتصادي الأمريكي، ولا بد لاستمرار هذا النماء من استمرار التوسع وعدم إطفاء نار الحرب.
وقد بدأ الأستاذ العكش الفصل السابع الأخير من كتابه وعنوانه: باراباس اليانكي باقتباسين، أحدهما لجورج بوش، الجد الأكبر لرئيس أمريكا الحالي، سنة 1831م، والآخر للسناتور ألبرت بيفردج سنة 1900م. قال بوش في كتابه حياة محمد:
«ما لم يتم تدمير امبراطورية السارزن المسلمين فلن يتمجد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم».
هذا كلام الجد بوش قبل مئة وثلاثة وسبعين عاماً. وهو يوضّح موقعه من المسلمين، كما يوضح عقيدته الراسخة المتفانية في حب اليهود، ولقد قدَّم حفيده المسمّى باسمه، عام 1991م خدمات جليلة لم يقدّم مثلها زعيم أمريكي قبله إلى دولة اسرائيل.
ومن تلك الخدمات كما يقول وزير خارجيته بيكر في مذكراته: القضاء على قوة العراق العسكرية التي كانت تمثَّل الخطر الاستراتيجي الحقيقي لتلك الدولة المغتصبة لفلسطين. أما ابن هذا الحفيد، الرئيس الحالي لأمريكا، فمواقفه من الأمة العربية والإسلامية شاهدة للعيان.
وأما الاقتباس الثاني وهو من كلام بيفردج فنصه:
«إن الله اصطفى الأمة الأمريكية من بين كل الأمم والشعوب وفضلها عليهم وجعلها شعبه المختار، وذلك من أجل قيادة العام وتخليصه من شروره».
والروح التي أملت هذا الكلام ما تزال هي الروح التي تسيّر سياسة الإدارة الأمريكية العليا، وادعاؤها بأنها تريد تخليص العالم من الشرور محض افتراء تفضحه تصرّفاتها في كل بقاع الأرض، وبخاصة البلدان الإسلامية وفي مقدمتها فلسطين التي يقوم الصهاينة بجرائم حرب ضد أهلها بمعونة أمريكية، معنوياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
وقد بيّن الأستاذ العكش في هذا الفصل مدى دعم قادة أمريكا فأشار مثلاً إلى اعتراف الرئيس كلينتون سنة 1995م بأنه «كان في بعثة دينية عندما اصطحبه كاهنه إلى الأراضي المقدسة فلسطين قبل 13 سنة حيث عايش تاريخ اليهود كما يرويه الكتاب المقدس..
وقال مخاطباً شارون ورابين ونتنياهو بأن كاهنه الذي رعى تربيته الروحية هو الذي أوصاه قائلاً: «إذا تخلّيت عن إسرائيل فإن الله سيغضب عليك»، وهو الذي كشف له الحجاب عن «إرادة الله التي تقتضي بأن تكون إسرائيل كما هي في العهد القديم لشعب إسرائيل إلى الأبد». ولذلك قطع الرئيس لكاهنه عهداً قائلاً: «إن إرادة الله يجب أن تكون إرادتنا».
ثم أشار الأستاذ العكش إلى تمسّك المستعمرين الأوروبيين الأوائل لأمريكا بكل ما هو يهودي قائلاً:
«اللغة العبرية لا الإنجليزية هي التي كانت لغة التعليم الأساسية في جامعة هارفرد عند تأسيسها عام 1636م، وشريعة موسى هي القانون الذي أراد جون كوتن تبنّيه إلى جانب العبرية التي أرادها لغة رسمية لأبناء مستعمرات الدم الأزرق الثلاث عشرة على ساحل الأطلنطي».
وختام كتاب الأستاذ العكش ملحقان، أحدهما عنوانه: لماذا أبكي زوال شعبي، والآخر عنوانه: الواهبون الهنود. وقد أورد في الملحق الأول اقتباسات من خطبة لزعيم هندي تعرف بخطبة الهندي الأحمر ألقاها سنة 1854م في حفل استسلام أجبر على إبرام معاهدته. ومن تلك الاقتباسات:
«زعيم واشنطن الكبير يقول لي: إنه يريد أن يشتري بلادنا.. كيف نستطيع أن نبيع أو نشتري السماء ودفء الأرض؟ إن زعيم واشنطن حين يقول: إنه يريد أن يشتري بلادنا إنما يسألنا ما لا يطاق.. حينما يزول آخر إنسان أحمر فوق الأرض ولا يبقى منه إلا ظلال سحابة تعبر البراري ستظل هذه الشطآن والغابات مسكونة بروح شعبي».
أما الملحق الثاني فبدأه الأستاذ العكش باقتباس للمؤرخ جيمس أديار كتبه سنة 1775م وهو: «إنهم أكثر تحضّراً من الإنجليز، وإنهم يعيشون في ظلّ أنبل القوانين وأبسطها، هذا دستورهم أو قانون السلام الأعظم ينبض بالحرية، وها هم جميعاً ينعمون بفرص متكافئة وامتيازات متساوية سعداء ليس هناك من وصف ممكن للفرح والبهجة والدفء والشجاعة التي تعمر صدورهم».
وأوضح في هذا الملحق أن كثيراً الأمور النبيلة في الدستور الأمريكي والقوانين الأمريكية مقتبسة من دستور الهنود الحمر وقوانينهم، مدعماً ما أوضحه بأقوال المؤرخين والكتاب الأمريكيين أنفسهم..
وهكذا تمت القراءة في كتاب الأستاذ منير العكش «حق التضحية بالآخر.. أمريكا والإبادات الجماعية» وهو كتاب لطيف، شكلاً وموضوعاً كما قيل في بداية هذه القراءة، كما انه جدير بالقراءة للتأمل في بداية تاريخ الدولة الأمريكية ومقارنته بتصرّفات قادتها في الوقت الحاضر..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved