لا تنطلق الاكاذيب إلا من نفوس مريضة، ولا يروِّج لها إلا أصحاب قلوب مسكونة بمرض الانحراف عن منهج الله، لأن الأكاذيب مظهر من مظاهر البعد عن الإيمان الصادق بالله عز وجل، وصورة قاتمة من صور ضعف التديُّن الذي ينتج عنه ضعف الإحساس بالأمانة وعبئها، وضعف الشعور بالمسؤولية أمام الله عز وجل ثم أمام الضمير الحي، والقيم التي تحكم حياة المجتمعات المستقرة، والمبادئ التي تحول بين الناس وبين مظاهر الفوضى والحيرة والضياع.
الأكاذيب صفة من صفات لصوص المبادئ والقيم، وقراصنة الأخلاق، ومجرمي الحروب الذين لا يعرفون إلا المصلحة الشخصية، ولا ينظرون إلا الى أنفسهم، ولا يسعون إلا الى تحقيق أهدافهم الخاصة مهما كانت النتائج السلبية على غيرهم من البشر.
الاكاذيب معروفة - على مدى تاريخ البشرية - بأنها منافية لتعاليم السماء مخالفة لقيم عقلاء الناس، مصادمة للمصالح العامة، والاهداف السامية التي تحقق للبشر في حياتهم الدنيا الطمأنينة والعدل والامان.
الاكاذيب هي التي تُشيع الخوف والقلق في المجتمعات البشرية، وتعطِّل مسيرة الخير في الناس، وتحول بين المخلصين الحريصين على مصالح البشر وبين تحقيق ما يرمون اليه من غايات سامية للبناء والنماء.
هكذا تظهر «الاكاذيب» صورةً قاتمةً سوداء اللون، قبيحة الملامح، بذيئة اللسان، خبيثة الوجدان في هذا العصر الذي انحرفت فيه المدنية الغربية بالمسيرة البشرية على ظهر هذه الكرة الارضية عن الطريق المستقيم، وعن منهج الله الحق الذي يحرِّم الكذب لما فيه من اضرار جسيمة على الفرد والمجتمع والامة، ولما فيه من إتاحة الفرصة للشيطان وأعوانه من شياطين الإنس والجن ليتلاعبوا بمبادئ الناس وقيمهم، وليغرسوا في نفوس البشر مشاعر الكراهية والبغضاء، والحسد والحقد والعداء، حتى تحدث مظاهر الاضطراب والخلاف في المجتمعات البشرية مما يتيح لأصحاب الاهداف السيئة ان يفعلوا ما يشاؤون، وأن يصلوا الى مصالحهم وأهدافهم على جسور من الاشلاء والدماء، وتحت رايات من الانحراف الخلقي والفكري، والضياع الذي يتيه فيه الناس، فما يعرفون في دروبه معروفاً ولا ينكرون منكراً.
هكذا اصبح عصرنا - بجهود المدنية الغربية الملحدة - عصر الاكاذيب والأراجيف والأباطيل التي تنتشر بين الناس في هذا العالم انتشاراً سريعاً بواسطة وسائل الإعلام والاتصال المتطورة التي تجعل البعيد قريباً، وتهوِّن على الناس الباطل والضلال والفسق، والشبهة والشهوة بما تعرضه عليهم من ذلك عرضاً متواصلاً مركزاً لا يتيح لكثير من البشر مجالاً للتفكير السليم.
ولأنَّ الناس قد اصبحوا - إلا من رحم الله - اسرى لتلك الوسائل المتطورة القائمة على المبالغة والإرجاف والاكاذيب، فقد استحسنوا كل قبيح، واستثقلوا كل حسن، واستساغوا من اساليب الحياة المنحرفة عن منهج الله ما اصبح سمة من سمات حياتهم، يستنكرون معه كل نصيحة او توجيه او دعوة تحاول ان تعيدهم الى موقعهم الصحيح، وأن تُزيل عنهم الغشاوة التي جعلتهم لا يرون الحقائق، ولا يبصرون مسالك الخير التي تقودهم الى النجاة.
الأكاذيب سمة بارزة من سمات مدنية هذا العصر القائمة على الإلحاد، والكفر بالله، والتشكيك في مبادىء الدين الصحيح، وتهوين المعصية على عقول الناس وقلوبهم، وهي بذلك سمة بارزة في كل جوانب المدنية المعاصرة في الحرب والسلم، والسياسة والاقتصاد، والاسرة المجتمع، وهذا ما يجعل الانسان المعاصر في حاجة الى التوجيه الصحيح الذي ينتشله من مستنقعات هذه الاكاذيب، وهو ما يشعرنا جميعاً بالمسؤولية الضخمة لوسائل الإعلام في عالمنا الإسلامي، التي ما تزال - مع الاسف الشديد - ترسِّخ الاستسلام لأكاذيب هذا العصر.
إشارة:
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه - آمين -.
|