تعد آلام أسفل الظهر من المشاكل التي تؤرق الكثير من الناس حيث انها في معظم الأحيان تتسبب في اعاقة لقضاء متطلبات الحياة اليومية سواء في العمل أو المنزل.
وتذكر آخر الاحصائيات أن ما يقرب من 4% من البالغين يجرى لهم جراحة بأسفل الظهر لسبب أو لآخر من اجمالي 60% يعانون من آلام أسفل الظهر في مرحلة ما من العمر.
ويعد الانزلاق الغضروفي من أكثر أسباب آلام أسفل الظهر ويليه انزلاق الفقرات ثم ضيق الفقرات واختناق الحبل الشوكي ثم الخشونة والاحتكاك بالفقرات وأخيراً اعوجاج العمود الفقري وأسبابه المختلفة.
أسباب آلام أسفل الظهر:
* الانزلاق الغضروفي:
يتكون الغضروف من أنسجة ليفية تحيط بالنواة الداخلية للغضروف الذي يتكون من بروتينات وتشكل المياه نسبة 80% من اجمالي وزن الغضروف ليشكل الغضروف ما يشبه وسادة هوائية مسؤولة عن حمل ما يقارب من 83% من وزن الجسم ونقل هذا الوزن للطرف السفلي.
يبدأ الغضروف في التآكل مع الاجهاد المستمر بأن تقل نسبة المياه في النواة ويصبح غير قادر بالتدريج على حمل وزن الجسم حتى يأتي المريض بحركة التواء مع انحناء مفاجئ فيحدث قطع صغير في النسيج الليفي الخارجي وتنزلق النواة عادة إلى الخلف ضاغظة على الحبل الشوكي أو العصب ليشكو المريض من ألم بالظهر مع الساق.
* انزلاق الفقرات:
عادة ما يكون انزلاق الفقرات أكثر شيوعاً بين السيدات عن الرجال وعادة ما يحدث بعد فترة طويلة من آلام أسفل الظهر نتيجة لتآكل الغضروف ثم تزعزع المفاصل الخلفية للفقرات التي تبدأ في الانزلاق مسببة ازدياداً مستمرا في الألم في الظهر والورك.
ولكن في بعض الأحيان يكون انزلاق الفقرات نتيجة لشعرة في العظم الخلفي للفقرة من الناحيتين ويكون الانزلاق لهذا السبب مستمراً ويأخذ في الازدياد مع الوقت.
* ضيق الفقرات واختناق الحبل الشوكي:
يؤدي ضيق الفقرات حول الحبل الشوكي إلى آلام متكررة أسفل الظهر مع شد في عضلات الساقين خاصة مع المشي، وتظل المسافة التي يستطيع المريض أن يمشيها تقل بالتدريج إلى أن يصبح المريض غير قادر على المشي من شدة الألم والشد العضلي في ساق أو اثنين.
يتكون الضيق حول الحبل الشوكي إما منذ الولادة أو نتيجة جراحة سابقة أو انزلاق في عدة غضاريف ويكون إما عظمياً أو نسيجياً ويعد مريض ضيق الفقرات من حالات التحدي لجراحة العظام حيث انه عند فشل العلاج غير الجراحي تكون هناك بدائل جراحية مختلفة لا بد من اختيار ما يناسب المريض بدقة شديدة وخبرة عالية حتى لا يؤدي أي تدخل إلى عدم ثبات الفقرات وازدياد الآلام؟
* اعوجاج العمود الفقري:
لاعوجاج العمود الفقري أسباب كثيرة أكثرها شيوعاً الاعوجاج الأولي «بدون سبب واضح» أو نتيجة عيب خلقي في الفقرات أو اعاقة في العضلات من ضمور عقلي أو شلل أطفال أو ما شابه ولكن معظم حالات اعوجاج العمود الفقري تصيب الفقرات الصدرية ونادراً جداً ما يكون الاعوجاج بالفقرات القطنية بأسفل الظهر، إلا أنه في بعض حالات انزلاق الغضروف أو فرق الطول بين الساقين يكون هناك اعوجاج ثانوي بالفقرات القطنية ويكون علاجه بإزالة السبب.
أسباب أخرى لآلام أسفل الظهر
هناك عدة أسباب أخرى لآلام أسفل الظهر لا تشكل خطورة بأي حال من الأحوال مثل عدم اكتمال نمو الجزء الخلفي من الفقرة الأخيرة أسفل الظهر أو اجهاد العضلات الخلفية أو ضعفها أو تمزق الأربطة بين الفقرات أو التهاب المفاصل بين الفقرات والحوض ولكن مما لا شك فيه أنه يتعين على جراح العظام التأكد بالفحص الدقيق عدم وجود سبب مرضي قبل الشروع في تشخيص اجهاد العضلات والأربطة كسبب لآلام أسفل الظهر.
تقييم الحالة
تحلل شكوى المريض بدقة شديدة ويشمل التحليل موضع الألم وما إذا كان بالظهر فقط أم يؤثر على الرجلين أيضاً وإذا كان بالرجلين هل الألم يصل إلى ما بعد الركبة أم لا ويمتد لمشط القدم أم لا، منذ متى بدأت هذه الشكوى، هل الألم مستمر أم متقطع، ما هي الحركات التي يزداد معها الألم، المشي أم النوم أم الجلوس فترات طويلة أم الركوع في الصلاة أم بعد مجهود، هل هناك شد في العضلات مع المشي أم لا؟
هل يوجد تنمل بالقدم أم لا، هل هناك تأثير على التبول أو على الحالة الجنسية أم لا «يأخذ في التقييم الحالة الجنسية لاستبعاد أسباب نفسية لآلام أسفل الظهر».
وبعد تحليل الشكوى بالتفصيل يتم الفحص الاكلينكي لتحديد موضع الألم والحركة بالعمود الفقري والعضلات الخلفية والأعصاب والعضلات بالرجلين حتى تتكون صورة مبدئية عند الطبيب عن مدى معاناة المريض لاختيار الفحص المناسب.
ليكتمل التشخيص يطلب من المريض عمل أشعة عادية أمامية وجانب وبزاوية مائلة لتشخيص حالات الاعوجاج أو عدم اكتمال نمو الفقرات.
ثم يطلب من المريض عمل أشعة بالرنين المغناطيسي، وبعد هذا الفحص البالغ الدقة والمتقدم حجر الأساس في تشخيص سبب ألم أسفل الظهر خاصة مشاكل الغضروف من انزلاق أو تآكل ووجود ضيق بالفقرات وضغط الغضروف أو الفقرة على الحبل الشوكي أو الأعصاب الجانبية من عدمه.
الوقاية
تشكل الوقاية جزءاً هاماً من عمل الباحثين في مجال أسباب الانزلاق الغضروفي بصفة خاصة وآلام أسفل الظهر بصفة عامة، هناك عدة عوامل تؤدي إلى ازدياد فرصة انزلاق الغضروف وتتلخص الوقاية في تفادي هذه العوامل التي منها ضعف عضلات الظهر وامتلاء البطن مع ترهل عضلات البطن وزيادة الوزن والتدخين والجلوس في مركبة فترات طويلة جلسة غير سليمة وحمل أشياء ثقيلة بصورة غير سليمة، ولذا لا بد من ممارسة الرياضة بصورة منتظمة وتحت اشراف وعدم جلوس فترات طويلة إلا في الوضع السليم والاقلاع عن التدخين وعدم حمل أشياء ثقيلة من وضع الركوع وتفادي الانحناء المفاجئ.
العلاج
تتدخل عدة عوامل في القرار النهائي لطريقة العلاج، فبعد الأشعة العادية والمغنطيسية وتحديد السبب لابد من الأخذ في الاعتبار عمر المريض ووزنه وطبيعة عمله ومتطلبات حياته اليومية وإذا كان يعاني من أمراض أخرى كالسكري أم لا وكم مدة الشكوى ومدى تأثيرها على المريض من الناحية العضوية والنفسية؟ وتتعدد بناء على ما سبق طريقة العلاج إما غير جراحي أو جراحي.
علاج غير جراحي
في معظم الحالات يكون علاج ألم أسفل الظهر غير جراحي خاصة إذا كانت الشكوى حديثة العهد ومتقطعة ولا تعيق المريض عن قضاء متطلبات حياته اليومية مع عدم وجود ضغط مؤثر على وظيفة الحبل الشكوي أو العصب.
ويكون العلاج غير الجراحي بإعطاء المريض فترة راحة كافية مع بعض المسكنات والأدوية الباسطة للعضلات والكمادات فإذا كانت هناك استجابة يستمر المريض في الراحة والمسكن حتى زوال الألم بالكامل، فإن زال يبدأ في العلاج الطبيعي لإخفاء الشد العضلي إما بأجهزة السونار أو بالعلاج المائي ويلي هذا كمرحلة أخيرة تمارين لتقوية عضلات الظهر وشد عضلات البطن.
في أكثر من 90% من الحالات يزول الألم بهذه الطريقة البسيطة ولا يلجأ جراح العظام إلى تقرير الجراحة إلا عند فشل تكرار العلاج والعلاج الطبيعي في تخلص المريض من شكواه مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الطريقة من الممكن الاستمرار فيها حتى ستة أشهر قبل تقرير الجراحة.
علاج جراحي
يتعين التدخل الجراحي لآلام أسفل الظهر في الحالات التي يفشل فيها العلاج غير الجراحي بعد ستة أشهر من ازالة الألم والحالات التي يكون فيها منذ البداية ضغط على الحبل الشوكي أو العصب الجانبي بصورة تؤثر على وظيفة العصب سواء في الاحساس أو تحريك العضلات أو التحكم في التبول وأيضاً يتعين التدخل الجراحي في حالات انزلاق الفقرات من الدرجة الرابعة أو في باقي الدرجات عند فشل العلاج التحفظي بالمشد أو عند وجود شعرة في الجزء الخلفي من الفقرة أو اعوجاج بالعمود الفقري.
تتوجه الجراحة لإزالة سبب الألم، فنجد أنه في حالات الانزلاق الغضروفي إذا توفرت متطلبات الجراحة يتم ازالة الضغط على العصب إما عن طريق المنظار الجراحي الذي يعود بعده المريض إلى المنزل في نفس اليوم أو عن طريق فتح جراحي مع أو بدون زرع غضروفي صناعي حسب عمر المريض وطبيعة عمله وسبب الانزلاق ووجود تآكل بالغضروف من عدمه ونوع الانزلاق خلفي أم جانبي والحالة العامة للفقرات للمريض نفسه.
أما عن علاج انزلاق الفقرات فإنه يكون عن طريق تثبيت الفقرتين المنزلقتين باستخدام مسامير وزرع عظام إما خلف الفقرات أو بينها من الأمام حسب شدة الانزلاق.
ولذا تبين وجود أسباب كثيرة لآلام أسفل الظهر وبدائل مختلفة للعلاج ومدته تقوم على عوامل كثيرة لابد أن تحلل بدقة ولهذا لابد من مراجعة متخصص في العمود الفقري قبل البدء في مشوار العلاج ليكتمل التشخيص والعلاج وما بعد العلاج على أكمل وجه.
أ/د. أحمد لبيب رئيس قسم جراحة العظام والعمود الفقري المستشفى السعودي الألماني - الرياض
|