المعارك تدور، والأحداث تشتعل، والنيران تَمُدُّ ألسنتَها الحمراء القاتلة، والدُّخان يتصاعد في أكثر من موقع في بلاد العراقة التاريخية «العراق»، بلاد العلم والأدب حين كانت الخلافة الاسلامية تحتضن العلماء والأدباء، وتزفُّ إلى العالم أضواء العلم النافع، والأدب العربي الأصيل.
المعارك تدور، والعالم ينظر بعينٍ مسكونة بالأسى، محتقنةٍ بالدَّمع، يتابع وقائع معركةٍ تجاوز بها مَنْ أشعلوها أنظمة وقوانين الأمم المتحدة، وأعراف الدُّول التي وُضعت للحيلولةِ دون تسلُّط القوي على الضعيف.
إذا كانت الطائرات تقصف، والصواريخ تُشعل ما تقع عليه من أراضي العراق، والدَّبابات تزحف، والقاذفات ترمي بشواظٍ من لهبٍ متواصل المدن العراقية، فإنَّ قاذفات التجاوز للقوانين والأنظمة قد قصفت قرارات هيئة الأمم، وأشعلت أوراق مجلس الأمن وألقت بها في أودية الإهمال قبل ذلك، معظم دول العالم تنادي الولايات المتحدة وبريطانيا بضرورة احترام الأنظمة الدولية، وبوجوب احترام الاتفاق الدَّولي حتى لا تسجِّل دول كبرى معتبرة سابقةً خطيرة لعدم احترام القوانين، وتذكر دول العالم الرافضة لهذه الحرب أن الإقدام عليها، بهذه الصورة القائمة على التحدِّي للعالم تُعَدّ خُطوةً جائرةً مشؤومةً ربما تكون سبباً في اختلال الأوضاع في العالم كلِّه.
المعارك تدور، والأمة الاسلامية في حالة نعرفها جميعاً من الضعف واختلاف الرأي، واختلال المواقف، وعدم القدرة على المواجهة للقوة المادية التي يملكها الأعداء، فليس هنالك توازن في مجال القوات العسكرية بين الأمة الاسلامية وأعدائها.
هذه حقيقة لا مناص من الشعور بها لأنها واقع يعرفه الجميع، فالاستعداد العسكري الهائل لدى الآخرين يحسم «القدرة المادية» لصالحهم في مجالات العمل العسكري المختلفة بحراً وبرَّاً وجوَّاً.
وهنا نتساءل: ماذا لدينا نحن المسلمين من القوة التي تمكِّننا من مواجهة هذه القوى العسكرية المتفوقة علينا؟، وكيف يمكن ان تخرج أمتنا المسلمة من هذه الخنادق المحفورة لها على الطريق؟، وهل انتهى كل شيء فما عدنا قادرين على أن ننقذ أمتنا وبلاد المسلمين من هذه الأزمات المتلاحقة؟؟.
هنا يبرز الجواب الذي تؤكده نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وسنة الله الكونية التي لا يحسب الغافلون لها حسابا.
هنا يبرز الجواب واضحاً كالشمس، نافذاً كالسهم، نديَّاً كأزاهير الروض حينما تنتعش على لمسات النسيم العليل في فصل الربيع، يبرز الجواب على لسان ذلك العالم الجليل، الامام الكبير الذي كانت له مواقفُه المشرِّفة في رفع معنويات المسلمين حينما كان التتار كالاعصار الجارف على بلاد المسلمين، وعلى بغداد الخلافة بصفةٍ خاصة.
يقول الجواب الشافي الكافي: «القلوب الصادقة، والأدعية الصالحة هي العسكر الذي لا يُغْلَب»، هذا هو السلاح الذي نملكه نحن المسلمين ولا يملكه من لا يؤمنون بالله رباً واحداً فرداً صمداً، ولا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً خاتماً للأنبياء والرسل عليهم السلام.
القلوب الصادقة التي لا يختلُّ ميزان إيمانها بالله سبحانه وتعالى، ولا تهتزُّ ثقتها به، ولا تَرْضَى بخيانة الأهل والدار والوطن، ولا تقف في صف الأعداء أبداً ولا تخفي في شرايينها الحقد والحسد والغلّ، القلوب الصادقة التي تنبض بحبها لله عز وجلَّ ولنبيه صلى الله عليه وسلم وللدين الحق الذي يعصم أهله من الزَّيغ والضلال حين تزيغ قلوب الكافرين.
والأدعية الصالحة التي ترتفع بها الأصوات المؤمنة إلى من يملك الكون كلَّه سبحانه وتعالى تطلب منه العون والنَّصر والتأييد، وتفريج الكربة وكشف الغُمَّة، نعم... القلوب الصادقة، والأدعية الصالحة هي العسكر الذي لا يُغْلَب.
إشارة
كلُّ ما في الأرضِ لله الذي يفعل فيها ما يشاء
الرياض - الواحة
|