* الرياض- علي سعد القحطاني:
كشف الدكتور سليمان الرحيلي، الأستاذ بقسم التاريخ والحضارة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن العديد من الأخطاء التاريخية التي وقعت فيها الأطالس والخرائط والكتب التي تناولت معالم ومواقع المدينة المنورة.
وحذر د. الرحيلي من أن تلك الخرائط والكتب أصبحت مراجع لأبحاث ومقررات مدرسية ومراجع جامعية ووسائل أيضاح تعليمية مما فاقم من الأخطاء التاريخية ونشرها بصورة كبيرة.
وأوضح في محاضرة نظمتها مساء الأحد الماضي دارة الملك عبدالعزيز بمقرها بالرياض أن ما يزيد من خطر تلك الأخطاء أنها تقع في خرائط المدينة المنورة ومنطقتها وأحداث السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي فيها مشيراً إلى أنه آن الأوان لتصحيحها.
وأورد المحاضر عدة صور لتلك الأخطاء وكيفية تصحيحها، وفي بداية المحاضرة أشار د. الرحيلي إلى أهمية تحقيق وتدقيق المعالم والمواقع في المدينة لما يترتب عليها من أحكام فقهية ومعلومات تاريخية وحضارية يحتم تعريفها في المراجع وإسقاطها على الخرائط بما يلائم حالها على الطبيعة والواقع بالضبط دون اختلاف أو تغيير يمكن احتماله أو لا يترتب عليه كبير أهمية في غيرها.
وقال إنه من الأمانة العلمية أن نذكر أن الأجيال الماضية قد عرفت تلك المعالم وحددها مؤرخوها ووقفوا عليها ودققوا في وصفها والحال التي كانت عليه في زمانهم ومن ثم فإن مسؤوليتنا التاريخية أن نحافظ على تلك المعالم وتلك المسميات ونقرن بينها وبين واقعها على الطبيعة دون أي تحريف أو تغيير أو طمس أو تبديل اسم مكان آخر، لاسيما أنه قد اتيح لنا من وسائل البحث والمعرفة وأدواتها ما يعين على ذلك ويساعد في نقل هذه الأمانة إلى الأجيال القادمة باطمئنان.
وأضاف إن كثيراً من المواقع والمعالم في المدينة- عدا المنطقة المركزية- لم تتغير سواء فيها أو في منطقتها ومع تقدم تقنية التصوير بالأقمار الصناعية فإنها تظهر بوضوح لم يكن ممكناً من قبل ويمكن مشاهدتها ومعرفتها وتحديدها بدقة سواء في ذاتها أو بالنسبة للمعالم الأخرى إلا أن الخطأ الذي يقع في هذا النوع من الخرائط هو خطأ بشري، يحدث عندما يحاول بعض الباحثين والمهتمين إسقاط أسماء المعالم والمواقع عليها فيقع هنا تغيير وتحريف وتبديل فيها، نتيجة لقصور علم أولئك في هذا المجال أو تقليدهم لغيرهم واتباعهم فيما وقعوا فيه من أخطاء في كتبهم وفي الخرائط التي أعدوها.
وأكد إن تلك الخرائط أصبحت مراجع لأبحاث ومقررات مدرسية ومراجع جامعية، ووسائل إيضاح تعليمية، ويزيد من عظم خطرها وهول خطبها أن هذه الأخطاء تقع في خرائط المدينة ومنطقتها واحداث السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي فيها، وقد آن الأوان لتصحيح ما وقع منها ووضع حد لاستمراره وشيوعه.
وأورد د. الرحيلي نماذج على تلك الأخطاء منها أطلس التاريخ الإسلامي للأستاذ الدكتور حسين مؤنس «رحمه الله»الذي صدر عام 1407هـ 1987م عن دار الزهراء بالقاهرة الذي يعد أوسع وأشمل أطلس للتاريخ الإسلامي منذ بدايته حتى العصر الحديث ولا نعرف له مثيلاً في موضوعه بأي لغة كانت وقال.. لقد بذل فيه المؤلف وفريقه خمسة عشر عاماً، وكما بقي التاريخ الإسلامي ومكتتبه طويلاً ينتظر هذا العمل الكبير وسيظل كذلك حتى يظهر فيه أطلس في مستواه أو يفوقه، ولست هنا في مقام عرضه وبيان أسبقيته مادة ومنهجا فقد عمل ذلك غداة ظهوره ولا أزعم أن في استطاعة أي باحث أن يدرس هذا الأطلس الموسوعة التاريخية الجغرافية للعالم الإسلامي في مختلف عصوره وبقاعه ويتمكن من حصر الأخطاء والملحوظات التي وقعت فيه إذ على الرغم من جزئيتها بالنسبة لمعلوماته وصحة كثير من خرائطه ومواقعه، فإنها في مجموعها كبيرة وعندئذ سيكرر ذلك الباحث الخطأ نفسه الذي وقع فيه المؤلف وفريقه من جراء طول العصور واتساع الرقعة للعالم الإسلامي.
وأوضح د. الرحيلي أن مسؤولية الباحثين في هذا المجال تسديد عمل المؤلف وتصويب أخطائه وتصحيح مواقعه ولو نفر من كل منطقة أو إقليم جماعة في كل بلد من ذوي الاختصاص والاهتمام وقاموا بذلك فإننا نكون قد أسدينا لتاريخنا وأجيالنا القادمة جهداً كبيراً سيثري ويسدد هذا الأطلس عند إعادة طباعته، ومن ينهل منه ويعتمد عليه في مشارق الأرض ومغاربها عن عصور العالم الإسلامي وجغرافيته التاريخية.
وعدد تلك الأخطاء قائلاً: في خريطة المدينة المنورة قبائل ومواقع عند هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص 66 نجد الأخطاء التالية:
1- حدد المؤلف اسم يثرب في عالية المدينة عند وادي مذينيب والذي ذكره مؤرخو المدينة مثل ابن زبالة والمطري، والسمهودي أن يثرب كانت أم قرى المدينة- كما يقول ابن زبالة- وتقع ما بين طرف وادي قناة الغربي والجرف وظلت معروفة في هذا الموقع بشمال المدينة حتى زمن المطري في القرن الثامن.
2- حدد المؤلف موضع مسجد الرسول عليه السلام جنوب مسجد السبق وموازيا لمسجد الفتح وهذا ليس صحيحاً فهو يقع في الجنوب الشرقي من الاثنين وتحديده لمسجد السبق خطأ البتة فضلاً عن الخطأ في لفظه حيث ورد السيق بالياء بينما هو بالباء كما هو معروف.
3- حدد المؤلف موقع«حرة واقم» بين البقيع والمسجد النبوي وهذا غير صحيح لأن - حرة واقم- تبدأ من البقيع شرقاً كما أن البقيع لا يبعد عن المسجد النبوي بنفس المساحة التي حددها المؤلف فهي أقرب من ذلك.
4- البدائع وصفت في الخريطة شمال مسجد الفتح على شفير وادي بطحان هناك وهي بعيدة تماماً عن هذا الموقع فهي تقع بالقرب من شفير وادي قناة شمالي حرة بني حارثة ناحية حارة السحمان في الوقت الحالي.
كما تناول الدكتور الرحيلي كتاب بدر للأستاذ محمد صالح البليهشي باعتباره أحد المراجع التي تضمنت أخطاء عديدة قائلاً: أورد المؤلف في ص 32 خريطة للأودية في منطقة بدر وذكر منها وادي المعرج وصوابه العرج أو المعيرج بالتصغير ولايزال معروفاً باسمه إلى اليوم كذلك أغفل ذكر وادي آلاب وهو من أهم روافد وادي الصفراء وكذلك وادي الجي على الرغم من أنه ذكر ما هو أصغر وأبعد منهما.
أورد المؤلف ص 124 خريطة للطرق المعبدة الموصلة لبدر وفيها عدة أخطاء، وكذلك في كتاب «المظاهر الحضرية للمدينة المنورة في عصر النبوة» للدكتور خليل إبراهيم السامرائي وثائر حامد محمد الذي صدر عام 1405هـ/ 1984م عن مطبعة الزهراء بالموصل نقل المؤلفان الخريطة الأثرية التقريبية للأستاذ عبدالقدوس الأنصاري في كتابه المشهور «آثار المدينة» دون أن يشيرا إلى ذلك بل وحذفا اسمه من مربع عنوانها واكتفيا بتصغيرها وإعادة كتابة الأسماء عليها بخط مختلف وضعيف وكرراها مرتين في آخر كتابهما.
وذكر المحاضر أن خريطة المدينة المنورة التي أصدرتها الإدارة العامة للمساحة بوكالة تخطيط المدن بوزارة الشؤون البلدية والقروية عام 1409هـ وضمنها بعض المؤلفين كتبهم عن المدينة مثل الدكتور عبدالباسط بدر من مؤلفه«تاريخ المدينة الشامل» ج3 ص300 وعلى أهمية هذه الخريطة ولاسيما في وقتها إلا أنها وقعت فيها عدة أخطاء في تحديد المواقع والأماكن.
كما أشار إلى أن الخريطة التي أصدرتها إدارة المساحة العسكرية بوزارة الدفاع والطيران بالرياض عام 1419هـ بعنوان المدينة المنورة وقد جاءت ملونة وواضحة وبين عليها كثير من معالم المدينة وحدود حرمها في مواقعها الصحيحة كما هي عليه في الطبيعة إلا أنه وقعت فيها عدة أخطاء في مواقع بعض الأمكنة والمعالم وأهمها ما يأتي:
- رسم في الخريطة خط يمثل حدود الحرم وفي تلك الحدود خلاف وأخطاء ولا يتسع المجال هنا لمناقشتها ونقدها لاسيما مثل أن الجمارات داخلة في حدود الحرم وهو خطأ كبير فيها أن جبل ثور حد الحرم الشمالي يقع ملاصقاً لجبل أحد داخل طريق الجامعات أي بينه وبين جبل أحد وهذا خطأ كبير جداً فهو يقع إلى الشمال من ذلك خارج طريق الجامعات ويبدو من هناك إلى الشمال على هيئة ثور رابض يمكن رؤيته بوضوح وقال لكن هذه الحدود فيما علمت أنها تخضع للمراجعة من جديد ولذلك لن أقف عندها الآن إضافة إلى عدة أخطاء أخرى واختتم د. الرحيلي المحاضرة بالإشارة إلى كتاب المدينة المنورة في فجر الإسلام والعصر النبوي للأستاذ محمد محمد حسن شراب تضمن أيضاً أخطاء حيث أورد المؤلف في آخر الجزء الثاني من كتابه عدة خرائط غير موثقة عن مراجعها، كما أنه وقع فيما وقع فيه أصحابها من أخطاء في المواقع وأغلاط في المسميات منها خرائط منقولة عن حسين مؤنس في أطلسه المشهور.
المداخلات
* اعترف الدكتور عبدالله الربيعي بقصور الاكاديميين عن تاريخ المدينة النبوية ثم سأل المحاضر بقوله هل يوجد هناك مجسم تاريخي حقيقي لصورة المدينة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يطّلع عليه الزوار واقترح الربيعي بأن يكون هناك تعاضد بين الاكاديمية التاريخية بالدارة وأهل الاختصاص في الاهتمام بخرائط المدينة ومواقعها الأثرية.
* ابدى الدكتور نايف الشريف امتعاضه الشديد من آليات الهدم التي تطالع بعض المواقع الأثرية في المدينة وضرب مثلاً على ذلك مسجد الفتح الذي يعتبر من ضمن المساجد السبعة وكان يسمى ذلك المسجد بمسجد الاجابة حيث انه دعا النبي صلى الله عليه وسلم فيه عندما كان في غزوة الاحزاب واستجاب الله دعاءه، كما انتقد الشريف المحاضر في تحديده لعديد من الاماكن التاريخية كتحديد جبل الثور.. وغيره وطالبه بتوضيح أكثر.
* قال المهندس محمد بن ناصر الراجحي الموظف في وزارة البلدية والشؤون القروية: إن الوزارة ترحب بالاكاديميين والمختصين للتعاون معهم في مجال تحديد مواقع المدينة على ضوء الدراسات التراثية.
* بين المحاضر الوسائل التقنية وذلك من خلال الاقمار الصناعية التي قامت برصد الارض رصداً دقيقاً ولم يبق إلا جهد الباحثين حتى يسقطوا تلك المعالم التاريخية بدقة متناهية على تلك المواقع الجغرافية.
* المحاضرة القادمة التي سوف تنظمها الدارة ستكون بمشيئة الله تعالى يوم الثلاثاء 22/1/1424هـ.
لفضيلة الشيخ محمد السبيل وسيتحدث فيها عن جوانب من ذكرياته في الحرم المكي الشريف.
|