الموجة العارمة المحتدمة هذه الأيام بين الشباب، وبين الشيوخ أيضاً، هي توزيع الأدب بين الناس وتقسيمه على فئات مختلفة منهم، فهذه الموجة العارمة تنطلق هذه الأيام نحو ايجاد أدب خاص بالشباب، لا يتعداه أحد من الشيوخ، أو حتى الكهول، ولم نكن نعرف أن الأدب يختص به الشباب ولا ندري متى وكيف انطلقت هذه الموجة العارمة التي تجزئ الأدب، حتى الأدب في هذه الأمة إلى أجزاء.
ان التجزئة في الأدب تأخذ طريقها الآن إلى الشباب، تغذيها أيد لا يهمها من أدب الشباب شيء، وانما الذي يهمها أن تضرب أسفيناً قوياً في تابوت الأدب، وأن تعزل الشباب عن الشيوخ وأن تنادي بأدب خاص لهم، كأن الأدب سلعة من السلع توزع فيما بين الناس ويكون كل جزء منها غير الجزء الآخر.. فأدب الشباب للشباب. وأدب الشيوخ للشيوخ، والفتنة قائمة بين ما يدعى بأدب للشباب وأدب للشيوخ، ومن ثم بين الشباب وبين الشيوخ أنفسهم، وإذا ما اتسع نطاق هذه الدعوة واشتد، وأخذ طريقه نحو الثبات، ووجدت الهوة الواسعة بين الشيوخ والشباب انطلقت موجات وصيحات عارمة أخرى لتفصل الكهول عن الشباب وعن الشيوخ أيضاً، وبعد ذلك تتعدى إلى أدب للبنات وأدب للحريم وهكذا.
إن الدعوة إلى انشاء أدب خاص بالشباب، إنما هي دعوة ضارة، هدفها تقسيم هذه الأمة، وهي تشبه تلك الدعوة التي اطلقها بعض المثقفين العرب، لعزل الماضي عن الحاضر دون تمييز، وللقضاء على التراث وهدمه ولالغاء التاريخ الذي يربط حاضر الأمة بماضيها.
ان الأدب العربي انما هو أدب واحد يصب من منبع واحد، ولا يجوز أن يختص به فئة من الناس. فلا يجوز مثلاً أن نطلق على ما تنتجه أقلام الأديبات، سواء كن اديبات شابات، أو أديبات طاعنات في السن بأدب النساء، ولا يحق لنا أن نطلق على ما تنتجه أقلام الشيوخ بأدب الشيوخ، انه أدب واحد، ذلك الذي تنتجه أقلام الأدباء والأديبات، ولا فرق بين ما ينتجه الأدباء الرحاب، وما تنتجه الأديبات النساء.
|