Friday 21st march,2003 11131العدد الجمعة 18 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إعدام ضرس «2 - 2» إعدام ضرس «2 - 2»
عبدالهادي الطيب

حين قرب وقت الانصراف أسرَّ لي أحد زملائي المعلمين من أبناء القرية بعد أن صعب عليه حالي بأن «فلان» فراش بالمعهد لديه الحل لمشكلتي فقلت له: «دخيلك الحقني بفلان!» فقال: «انت ازهم عليه.. بس لا تعلمه إني قلت لك شي» قلت: أعاهدك ألا أفعل.. بس كيف عنده الحل؟ قال: زوجته لبنانية وعندها خبرة.. وستحل لك مشكلتك. وقبل أن تنتهي آخر حصة أرسلت في طلب الأخ الفراش.. فحضر.. فصرت أتأوه أمامه من شدة الألم.. وأزيد من عيار التأوه والشكوى بهدف استثارة عطفه وإنسانيته لعله يرأف بحالي.. لكنه وبكل برود أعاد لي بعض نصائح الزملاء عديمة الجدوى. وأخيراً لم أجد بداً من مصارحته.. بأن حل مشكلتي عنده.. وأني داخل على الله ثم عليه!! فصمت أخي وزميلي بل وحبيبي فراش المعهد بعض الوقت.. وفكر ملياً في الموضوع ثم رأى أن يرأف بحالي.. وأخرج تلك الجوهرة من فيه حين قال: تعال إلى بيتي هذه الليلة بعد صلاة العشاء.. بشرط وحدك.. ويصير خير إن شاء الله.. فتفاءلت بكلامه.. وارتفعت معنوياتي وهدأت نفسي رغم استمرار ألمي. وأخذت أعد الدقائق والثواني.. أين أنت أيها المساء.. ومتى تأتي أيها العشاء؟! وهكذا مضى نهاري دون غداء أو عشاء.. حاولت النوم فلم أفلح.. فأخذت في قتل الوقت بالقراءة حتى جاء الفرج حين سمعت أذان العشاء.. فكان أعذب أذان سمعته في حياتي.. بعد الصلاة ذهبت لدار الرجل الشهم وكان قد وصف لي موقعها. طرقت الباب.. ففتح لي صاحبي وكأنه يرتكب إثماً. ألقيت عليه السلام.. فرد بهمس وسألني: هل معك أحد.. قلت: لا. قال: تفضل. فتفضلت سائراً خلفه.. أدخلني المجلس وتركني بضع دقائق ثم عاد ومعه القهوة. وبعد أن تبادلنا حديثاً فارغاً سألني عن مشكلتي التي يعرفها.. فاكتفيت بالإشارة إلى فمي.. فذهب.. ثم عاد ومعه زوجته التي لم أر منها سوى عينين بالكاد تبدوان من خلف الغطاء. سألتني أين الألم؟ فأشرت لها بإصبعي على الضرس العليل. قالت: سوف أخلعه.. ولكن عليك أن تتحمل الألم لأنه بدون بنج.. فاستأسدت أمامها وقلت لها افعلى بي مابدا لك وستجدينني إن شاء الله من الصابرين. تلوت بصوت خافت سورة العصر وسلمت أمري لله واستسلمت لها.. وفتحت فمي عن آخره بناء على أمرها.. فاستلَّت من حقيبة بجانبها تلك الكلبة المتوحشة «هي الآلة التي تستخدم في خلع الأضراس» وأدخلتها في فمي وأخذت تشد بكل ما آتاها الله من قوة وعافية.. فخلتها أحد أفراد كتيبة الصاعقة حين يهجم على عدوه.. ثم استعانت بزوجها ليشد معها ويسحب وهكذا استمرت المعركة حوالي ربع ساعة.. حتى جاء الفرج وانتزع الضرس من مكانه مع النزيف.. فنظرت أختنا المنقذة إلى الضرس المخلوع.. وقالت: هذا سليم.. «ما بو شي».. فنظرتُ إلى ضرسي الضحية فإذا بي أراه «ما بوشي» فعلاً.. إنه سليم تماماً.. وقد راح ضحية خطأ في التشخيص.. ونتيجة سوء نظر.الضرس العليل لا يزال قابعاً في مكانه وأتصور السوس بداخله يضحك علينا ويمد لنا لسانه متهكماً وشامتاً. صرخت دون وعي: ما الذي فعلته بي «يا حرمة؟!!» فارتبكت وحملتني مسؤولية الخطأ حين أشرت لها على الضرس .. ويعلم الله أن إشارتي على الضرس المريض كانت صحيحة. المهم.. حصل خير.. وأين الخير؟! لن أبرح مكاني حتى «تشيلين الضرس العلة».. قالت: «ما بيصير» هذا خطر عليك.. وتشددت في رأيها خوفاً من زيادة النزيف ورأت تأجيل ذلك لبضعة أيام.. لكني رفضت التأجيل بشدة.. وأصررت على الخلع حتى لو أدى ذلك إلى أخطر العواقب.. فلما رأت إلحاحي وتمسكي بطلبي استجابت.. وكررت ما فعلته بالضرس الأول.. ومنحني الله الصبر على هذه المصيبة.. إلى أن كان الخلع الحبيب.. فخرج صاحبي اللدود.. ذلك الضرس الخبيث مضرجاً بدمائه ومفتتا قطعاً متناثرة.. بعض القطع خرجت في حينه.. وبعضها بعد أيام.. أما آخر قطعة فخرجت ليلة الدخلة!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved