يتحدث العالم اجمع عن المُثل والاخلاقيات، وتزخر الكتب بها، ويطرب بنو البشر لسماعها، لكنهم في واقع الأمر يتخلون عنها او عن بعض منها في بعض الاوقات او معظمها، وكلما عنَّ للمرء ان يبحث عن مكنون النفس البشرية لمعرفة عين الحقيقة، يجد ان ادوات بحثه محدودة، والرؤى حول هذا الموضوع بالذات غير محدَّدة، وهذا عائد في اساسه الى ان المثل والاخلاقيات تنبع وتتعامل مع النفس البشرية، والنفس البشرية ليست آلة يمكن برمجتها، لتنتج بطريقة معينة، او تسير بنمط متناسق.
النفس البشرية مجموعة من العواطف، والشهوات، والافكار التي يمكنها ان تتجاوب وتتأثر بالمؤثرات الخارجية بدرجات متفاوتة، تبدأ من عدم التأثر المطلق وتنتهي بالتأثر الكامل، هذا التفاوت في التأثر بالمؤثرات ينعكس على سلوك البشر واخلاقياتهم، ومن ثم فرحهم وترحهم، وسرورهم ومآسيهم.
مصادر الخير كثيرة، ونوازع الشر موجودة في النفس البشرية، والكتب السماوية جمعاء جاءت لتحث على مكارم الاخلاق، كما ان بعض كتب الفلاسفة قد حوت بين طياتها بعض هذه القيم والمبادئ الاخلاقية الرائعة، ومع هذا فالانسان مازال يصارع ويقاتل ويخالف ما يراه جميلاً، عندما يغيب العدل الانساني وتكشر الانانية عن انيابها، يفقد الانسان انسانيته، ويتخلى عن محاسن مايؤمن به، وهذا عائد الى نوازعه الذاتية، وتربيته المنزلية، والمدرسية.
جرى في العالم صراع سابق بين المسيحية واليهودية، وهناك حديث عن ذلك بين الاسلام والمسيحية واليهودية، والاديان السماوية جمعاء جاءت بالسلام وللسلام، وبالخير وللخير، وليس في هذه الاديان السماوية نازع إلا لخير البشرية جمعاء لأنها من رب العباد، ولهذا فإن اي امر يخرج عن ذلك فمرده الى النوازع البشرية والشهوات والانانية، والرأسمالية والشيوعية فكران متناقضان استمر الصراع بينهما مدة طويلة واستخدم في ذلك الصراع انواع الاسلحة الاعلامية والمادية والثقافية والاقتصادية، وكان السبب في ذلك، النوازع البشرية والانانية التي تؤدي الى اختلاف المعايير وازدواجيتها، ومع هذا فإن كل طرف يرى في مسلكه الخير للبشرية.
الديموقراطية والديكتاتورية نظامان متباينان، والصراع بينهما حميم، ومع هذا فإن الجميع يتبرأ من الديكتاتورية حتى وان مارسها، ومرد ذلك الى انها لاتنسجم مع المثل والاخلاقيات التي اتفق عليها بنو البشر، والديموقراطية يسعى الكثير الى تقمصها واللعب في ساحتها وإن كان الواقع غير ذلك، وبقدر ما يكون اللباس جميلاً بقدر ما يظهر اللابس اناقته ليجذب من حوله ظانا ان هذا الملمس الجميل يحوي تحته جوهراً أزهى وأجمل.
ونماذج الديموقراطية يمكنها ان تكون متعددة المناهج، وبمقدار صلاح النية ومحاربة النوازع البشرية الشريرة يمكن لها ان تسود ودون ذلك فإن اي تشريع يسنه بنو البشر للحد من نوازعهم وشهواتهم وانانيتهم لن يكون كافياً إذا ما صاحبته تربية حقة، وتهذيب للنفس يجعل منها حكماً عادلاً وديموقراطية حقة، تنافح منافحة المؤمن الصادق بها كأداة لخير البشرية، وليس مطية لبلوغ مرام تحت تأثير معطيات او ضغوط معينة.
ان الانسان هو الانسان وسيظل يحتاج الى العدل ودونه لايمكن ان تتحقق له الطمأنينة والسلام، والوضع في فلسطين يحتاج الى العدل والعدل والعدل ودون ذلك فلن يكون إلا المزيد من المآسي والاحزان.
|