شدو
في التقدم.. في الانتفاء!
د. فارس محمد الغزي

الأمثال والأقول والعبارات المتداولة لسان حال أزمانها، وبما أن الناس، كما يقول المثل العربي «اشبه بأزمانهم منهم بآبائهم» فلكل زمن أمثاله وعباراته وحكمه المتزامنة مضامينها مع العقلية السائدة فيه، ومن المعلوم ان الأمثال تموت او تنتهي صلاحيتها ومع ذلك فنادراً ما يتم في هذا السياق البحث في أسباب اندثار الأمثال وانتفاء تطبيقاتها، فما هي يا ترى أهم العوامل وراء مثل هذا الاندثار؟ لا شك ان تقدم العلم يغربل المتفق عليه من الحقائق والفرضيات الإنسانية، وبما ان «الحاجة هي أم الاختراع» فبتواتر ازدياد حاجات الإنسان يزداد الحاح الاختراع فيه «عليه» وهنا يكثر اطلاعه وتتوسع معارفه وتتسع مداركه ليجد انه بمجرد اختراعه «للمعلومة» الجديدة قد احال على التقاعد معلوماته القديمة بكل مضامينها وصيغها وهيئاتها وأشكالها، ومن ضمن ذلك الامثال بكل اشتقاقاتها ومشتقاتها، بالمناسبة تطلع التكنولوجيا هنا بدور جوهري والتكنولوجيا تتجاوز بالطبع كونها مجرد «آلة» صماء خرجت الى حيز الوجود الاجتماعي فجأة.. بل انها تتطور بتطور المجتمع وتتأثر بظروف ومنعطفات ومسارات تقدم او تخلف انسانه، بمعنى ان التكنولوجيا ليست إلا نسق من انساق المعارف الاجتماعية والمجتمع -بثقافته - هو الذي يصوغ انماطها مثلما يشتق هذا المجتمع - ويبدل ويغربل - أمثاله. إذن اين هي امثال توصيف الحبيبة «بالقمر» بعدما كشف العلم حقيقة هذا القمر..؟ من ذا الذي يتمنى بالفعل ان يحفل وجه حبيبته بكل الحفر والأخاديد والتضاريس والغازات السامة وغيرها من عناصر ومكونات وجه القمر الحقيقي وذلك بعدما ازال العلم مكياج الجهل بحقيقته؟ بل هل من الصحيح ان البعيد عن العين.. بعيد عن القلب.. او كما يقول العامة من «غاب عن وجهي سلا عنه بالي؟» وأيننا من الجوال في تقريب البعيد بل أيننا من الكاميرا الصغيرة القادرة على إلغاء المسافات «انترنتيا؟»، وأسألوا في ذلك «البالتوكس» لتجيبكم عما ليس على البال مما كان في الأمس من عداد المحال.