* واشنطن - هيوارد لافرنشي (*):
مهما سيحدث في النهاية فإن المعركة التي شهدتها الأمم المتحدة حول كيفية التعامل مع العراق أدت إلى لحظة من الجدل الملتهب نادرة الحدوث في تاريخ العالم.
وقد كانت هذه المعركة جزءاً من العملية الديموقراطية بكل ما فيها من مشكلات واحباطات، وقد تحدث الكثيرون وكتبوا عن كيفية تحرك العالم والضغوط السرية ومكالمات الساعات الأخيرة من الليل بين رؤساء الدول وانتهاز الفرص والوصول إلى حلول وسط، فالأمر بالنسبة للبعض بدا وكأنه جدل بلا نهاية وعمليات لي ذراع من أجل التصويت لصالح القوة الأولى في العالم وبالنسبة للبعض الاخر فقد كان بمثابة إعلان فوز أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمس عشرة بالحق في إدارة مشكلات العالم ولكن هناك معسكر ثالث يتبنى وجهة نظر أوسع ويقول إن تناول الأمم المتحدة للأزمة العراقية وصل إلى نقطة تمثل تقدما مهما لمفهوم الإدارة الجماعية للتحديات الأمنية التي تواجه العالم.
تقول أني ماري سلاوتر عميدة مدرسة ويدرو ويلسون للشئون السياسة والدولية في جامعة برينستون الأمريكية بولاية نيوجرسي إن هذه هي الوظيفة التي من أجلها أقيمت الأمم المتحدة قبل أكثر من نصف قرن وأضافت أنه من خلال الجدل الدائر فقد ظهرت الأمم المتحدة مناسبة تماما لدورها المأمول كما لم تظهر من قبل فلأول مرة منذ ان تأسست الأمم المتحدة قبل ستين عاما تقريبا يحاول مجلس الأمن فرض رؤيته الخاصة تجاه دولة واحدة معتدية بعيدا عن التقسيم الدولي ما بين شرق وغرب وهو التقسيم الذي ظل يسيطر على عمل المجلس طوال عقود الحرب الباردة التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفيتي أوائل التسعينيات.
كما أن المجلس يحاول حاليا تحقيق هذا اعتمادا على الاتفاق الدولي مع احترام وجهات نظر أعضائه الكبار منهم والصغار وربما يكون هذا الجدل مثيراً لإحباط البعض من قادة العالم ومضيعة للوقت من وجهة نظر بعض الشعوب ولكن العميدة سلاوتر تقول إن القوى العالمية بما في ذلك الولايات المتحدة تمسكت بإظهار احترامها لسلطة المجلس وأن كل ما عليك أن تقارن ما يحدث الآن بما كان يحدث في الأزمات الدولية طوال أربعين عاما هي تقريبا عمر الحرب الباردة ابتداء من أزمة الصواريخ الكوبية فلم يكن للأمم المتحدة أي دور في هذه الأزمات وبالنسبة لبعض الخبراء فإن الجدل حول الأزمة العراقية بغض النظر عن نهايته أكد بوضوح أهمية التحرك الدولي في مواجهة التحديات الأمنية للعالم.
يقول جون نورتون مور مدير مركز قانون الأمن الوطني في جامعة فرجينيا الأمريكية إنه لأول مرة في التاريخ تجد أن قوتين عظميين هما الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى تضغطان من أجل أن يكون للأمم المتحدة دور في أزمة دولية بحجم الأزمةالعراقية وهذا يمثل تقدما مهما وإذا لم يكن هناك أمم متحدة فإن العالم سيكون مضطرا لاختراعها ففي البيت الأبيض على سبيل المثال تمت ممارسة المزيد من الضغوط على أعضاء مجلس الأمن بالقول بأن هؤلاء الأعضاء يكررون نفس الخطأ الذي ارتكبوه في التسعينيات عندما تجاهلوا الأزمات الدولية الكبرى في كوسوفو ورواندا وهي الأزمات التي أدت إلى كوارث بشرية مدمرة.
وقد واصل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن ما يقلقه أنه إذا كانت الدول تتحدث عن استخدام حق النقض (الفيتو) في كل الظروف فإن الرسالة التي ستصل إلى صدام حسين هي أنه في مأمن.
وأضاف أنه يتمنى ألا يجري الحديث عن استخدام حق الفيتو ولكن بدلا من ذلك نقوم بالبحث عن أرضية مشتركة تسمح بتمرير القرار وفي إطار محاولات الوصول إلى حل وسط اقترحت بريطانيا ستة مطالب يجب على العراق تنفيذها حتى يتجنب الضربة العسكرية ولكن هناك اتجاه جديد في الولايات المتحدة يعترض على دور الأمم المتحدة في الأزمة وبخاصة بعد ظهور الدور المؤثر لدول صغيرة ذات عضوية غير دائمة في المجلس.
يقول أنصار هذا الاتجاه إن ربط خطط الحرب بضرورة البحث عن اتفاق عام داخل مجلس الأمن الدولي يجعل التحرك العسكري الأمريكي تحت رحمة دول صغيرة غير ذات صفة ولكن في المقابل هناك من يرى ويشاركه في الرأي قطاع كبير من الرأي العام العالمي أن ما يحدث في مجلس الأمن حاليا ليس تباطؤا ولا مضيعة للوقت ولكنه ببساطة ممارسة للديموقراطية على نطاق عالمي.
تقول أن ماري سلاوتر إنه على من يقول إن مناقشات مجلس الأمن مجرد مضيعة للوقت وألاعيب سياسية قذرة أن ينظروا إلى ما يجري في الكونجرس الأمريكي بالفعل هناك كل أنواع لي الأذرع واتفاقات الغرفة السرية ولكن هذا كله جزء من العملية السياسية الطبيعية والحقيقة أن ما نراه الآن هو تطور مهم في عمل المجلس وشهادة ميلاد حقيقية له ويضيف الدكتور مور أنه يجب التأكد من أن الأمم المتحدة لا يجب أن تظل مجرد جمعية للكلام ولكنه يضيف أن المناقشات العاطفية التي تجري في مجلس الأمن والكفاح من أجل تطبيق القرارات السابقة تشير إلى أن أعضاء المجلس أصبحواعلى يقين أنهم ليسوا مجرد أعضاء في نادي للكلام ليس له صلة بالقضية وأنهم مصرون على أن يكون لهم دور فعال ويواصل كلامه قائلا إن الامم المتحدة ستخرج من هذه الأزمة في النهاية أقوى مما كانت وستدرك الولايات المتحدة أنه من الأفضل لها التحرك من خلال المجتمع الدولي ومنظماته.
ويقول إن الأمر غير مقصور على الأمم المتحدة ولكن يجب أن تدرك أمريكا أهمية التعاون مع جميع المنظمات الدولية مثل منظمة الدول الأمريكية لحل الصراعات الإقليمية مثل الصراع في كولومبيا وتؤكد سلاوتر بأنه حتى إذا كانت هناك أغلبية تدعم التحرك الأمريكي فإن شن الحرب بدون قرار من مجلس الأمن الدولي يعني أن أمريكا تتحرك خارج النطاق الدولي وهذا سوف يكون له عواقبه الوخيمة على تطورات الأحداث بعد الحرب.
(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص بـ «الجزيرة»
|