العلاقة بين الدبلوماسية واستخدام القوة العسكرية هي العلاقة بين السلام والحرب.
فالعلاقة بين الدبلوماسية والقوة تربط بينهما خيط رفيع فإذا انقطع هذا الخيط وفشلت معركة الدبلوماسية تبدأ معركة القوة العسكرية وتمر المعركة الدبلوماسية في مناوراتها بالتهديد باستخدام القوة وذلك بحشد القوات العسكرية والاستعدادات الحربية للضغط على الخصم لتحقيق مآرب سياسية قبل نشوب الحرب، فإذا تحققت تلك الأهداف لم يعد مجدياً استخدام القوة العسكرية ويعتبر ذلك نصراً للدبلوماسية ودعاة السلام وإذا فشلت ونشبت الحرب فهذا يعني فشل معركة ومساعي الدبلوماسية وانتصار معركة دعاة ورجال الحرب، وتبدأ معركة جديدة بين الدبلوماسية والقوة العسكرية في محاولة لانهاء الحرب بأقل الخسائر وتظهر المعركة بين الدبلوماسية والقوة ماثلة أمامنا في وقت كتابة هذه المقالة وهي المعركة الدائرة في أروقة هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ووزارات الخارجية في البلدان المعنية لمنع نشوب الحرب بين الحلفاء والعراق وهي أحد الوظائف الأساسية لمجلس الأمن حيث أنشئت هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لمنع تجدد نشوب الحرب واستتباب الأمن وإقرار السلام في العالم.
ويستخدم الإعلام لتبادل الرسائل الدبلوماسية وتقرير الحرب في المعركة الدائرة بينهما، إن دراسة القضية العراقية لنزع سلاح الدمار الشامل تحولت إلى معركة أخرى هي معركة لغرض النفوذ والتلميح بفرض الديمقراطية بعد انتهاء الحرب ليس في العراق وحده بل وفي المنطقة المحيطة بالعراق العربية والإيرانية بعد، ويغيب عن هؤلاء أن فرض الديمقراطية بواسطة أسنة الرماح وفوهات البنادق والمدافع وضجيج الدبابات وازيز الطائرات هي محاولة يائسة. لأن الديمقراطية يجب أن تنبع من الشعوب ولا تستورد من وراء الحدود بالقوة والحشود العسكرية التي نراها من حولنا هذه الأيام.
وعندي أن المعركة الدائرة بين الدبلوماسية والقوة العسكرية بين الحلفاء والعراق ما هي إلا جزء من الحرب الدائرة والتي بدأت سنة 1991م ولم تنته، واستمرت خلال العقد الماضي بين مد وجزر واستعداد لاجراء تجارب لتكتيكات واستراتيجيات وأسلحة جديدة منها على سبيل المثال: أم القنابل وهي استعارة لمسمى أم المعارك وتدخل في السجال بين العسكرية العراقية والعسكرية الأمريكية في معركة غير متكافئة وهذه السياسة الأمريكية ليست جديدة على المنطقة بل هي تنفيذ وامتداد لخطط سابقة لبسط النفوذ الأمريكي في المنطقة لتطبيق نظرية قديمة هي ملء الفراغ الذي تركه الاستعمار في المنطقة بعد آخر خطوة لرحيله سنة 1971م يوم استقلت الإمارات العربية المتحدة وبقية دول الخليج العربي ومنذ ذلك التاريخ والسيناريوهات والخطط تجرى عليها التجارب والدراسات في المعاهد والكليات العسكرية العليا وخاصة بعد استخدام العرب لسلاح النفط بقطع البترول سنة 1973م وتم وضع استراتيجية الحرب الاستبقاية أو الوقائية التي يبدو أن استخدامها بدأ وشيكا، كما يظهر في البيانات والتحركات.
وهي تطوير لاستراتيجية الردع التي كانت تهدف إلى التهديد باستخدام القوة إلى استخدامها بالفعل. وظهرت هذه الاستراتيجية الجديدة بعد أن انفردت أمريكا بالقوة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لفرض وتطبيق النظام العالمي الجديد والعولمة ولكن العرب لا يستفيدون من دروس التاريخ لوضع الخطط المعاكسة ولا يستفيدون من الحروب والمعارك السابقة بل أنهم ينشغلون في معارك جانبية ولذا فإنهم يقفون موقف العاجز أمام القضايا المطروحة.
إن في الإسلام قوة وفي القوة البشرية للعرب والمسلمين قوة وفي القوة المادية ومنها النفطية من القوة المعنوية والمادية، ما لا يستهان بها إذا استخدمت إننا يجب أن نتعلم من محاولة القوى الخارجية السيطرة على مصادر الثروة الوطنية بكيفية المحافظة عليها والاستفادة منها لبناء القوة العسكرية والصناعية والدبلوماسية الايجابية واستخدام سلاح الإعلام وجميع القوى التي نمتلكها كما يجب أن نتعلم من تجارب الأمم الأخرى التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مهزومة مثل اليابان وألمانيا لاعادة بناء القوة الاقتصادية والعسكرية بل والدبلوماسية لكي توجد لنا مكاناً مرموقاً بين دول العالم.
وهذا يحتاج إلى تبني استراتيجيات جديدة في مجالات التعليم ونقل التقنية واستخدام واستثمار الثروة المادية الوطنية في الداخل واكمال معركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية باسناد المشروعات الاقتصادية إلى القطاع الخاص وبناء الصناعات والقوة العسكرية البشرية ومكافحة الفقر والجهل والمرض والبطالة إلى جانب العدل وتطبيق الشريعة الإسلامية وتطوير الأنظمة أي أن الحكومات في الوطن العربي والدول الإسلامية يجب أن تركز على الوظائف الأساسية والسيادية للدول مثل اقرار العدل والاهتمام بالشؤون الداخلية والخارجية والدفاع والأمن وترك المشروعات الاقتصادية وقطاع الخدمات الى القطاع الخاص وتتفرغ الحكومات لاقرار العدل والأمن والاستقرار وبناء علاقات دبلوماسية مع الأمم الأخرى.
كما ينبغي الاهتمام بالدراسات الاستراتيجية وانشاء المراكز للدراسات والبحوث المتخصصة في الاستراتيجية والعلاقات الدولية لتلافي أخطاء الماضي.
والله الموفق.
(*) عضو مجلس الشورى
|