في احتفال تونس هذا العام بالذكرى السابعة والأربعين للاستقلال الذي توَّج نضالات أجيال الحركة الوطنية باسترجاع السيادة الوطنية يوم 20 مارس 1956م من المستعمر الفرنسي تكريس لمعنى السيادة واستقلالية القرار الوطني وترسيخ لمبادئ النظام الجمهوري ودولة القانون، ويكتسي الاحتفال بذكرى الاستقلال التونسي أهمية متميزة حيث ينص التعديل الدستوري الذي تم إقراره بعد استفتاء شعبي لأول مرة في تاريخ تونس على تجذير مقومات الاستقلال من سيادة وطنية وقرار وطني مستقل ونظام جمهوري عصري ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والحريات وتعزيز قيم التضامن والولاء لتونس.
فالاستقلال يبقى على مختلف الأحقاب التاريخية رمزاً للحرية والسيادة باعتباره يجسد أبرز المكاسب وقيمة سامية متجذرة في وجدان الشعب التونسي من منطلق تعلقه المتين بوطنه ووفائه لمقومات الشخصية الوطنية وإرادته القوية المتجددة في أن تواصل تونس عطاءها الحضاري رفداً للحضارة الإنسانية كما كانت دائماً منذ 3000 عام.
وإذا كانت مناعة تونس وتفتحها واستقرارها تمثل بالتأكيد تواصلاً وترسيخاً لأسمى أبعاد الاستقلال ومعانيه فإن التونسيين اليوم وبقدر ما بذلوه من تضحيات جسيمة من أجل تحقيق هذه الغاية النبيلة يحدوهم عزم راسخ وإردة قوية على مواصلة بناء تونس الحديثة على درب التقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي والعطاء والاجتهاد من أجل رفع التحديات وكسب الرهانات بما يعزز مقومات الاستقلال.
ومما يضفي أهمية متميزة على احتفالات تونس بذكرى الاستقلال منذ تغيير السابع من نوفمبر، هي المقاربة الجديدة لمعنى الاستقلال ذاته ولمفهوم السيادة الوطنية، هذه المقاربة التي ارتقت بالاستقلال من ذكرى وطنية تاريخية إلى معنى أعمق وأشمل هو معنى المعركة الحضارية في أشمل معانيها مثلما أكد ذلك الرئيس زين العابدين بن علي في خطابه يوم 20 مارس 1997 على أن «الاستقلال في ظل التحولات العالمية هو معركة يومية متعددة التحديات لا مكان فيها إلا للمجتهد والمبتكر». ومن هذا المنطلق فقد جسّم الرئيس بن علي على مدى السنوات الماضية وعبر الجهد الإصلاحي المثابر الذي غطى كل المجالات والميادين الوعي العميق بأن الاستقلال رهان متجدد على مدى التاريخ تتغير ظروفه وتتطور أبعاده ومفاهيمه.وانطلاقاً من المفهوم السياسي والحضاري للاستقلال توالت منذ تغيير 7 نوفمبر 1987 الإصلاحات في كافة الميادين على درب تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وترسيخ دعائم السلم الاجتماعية وإرساء مقومات مجتمع ديمقراطي تعددي وترسيخ دولة القانون والمؤسسات حيث كرست الإصلاحات الأرضية الصلبة للحفاظ على مقومات السيادة الوطنية.
واتخذ الرئيس زين العابدين بن علي العديد من المبادرات التي وطدت دعائم النظام الجمهوري وعززت المسار الديمقراطي التعددي ورسخت حقوق الإنسان في مفهومها الشامل، هذا بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذها بخصوص تكريس البعد الاجتماعي التضامني وتأسيس مقاربة تنموية شاملة رسخت تماسك النسيج المجتمعي وانسجام المجتمع المدني.ومن هذا المنطلق فإن السياسات والإصلاحات التي انتهجها الرئيس بن علي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا حصّنت الاستقلال وصانت مقوماته من كل ما قد يتهدده من مخاطر في ظل التطورات والتحولات المتسارعة.
ولم ينفك الرئيس زين العابدين بن علي يؤكِّد على مسؤولية كل التونسيين في الاضطلاع بواجب الدفاع عن مكاسب تونس ومصالحها والغيرة على رايتها ورموزها والاعتزاز بالانتساب إليها الذي هو واجب وطني وسلوك تلقائي لدى كل من تنبض عروقه بالدم التونسي.ووفق نفس المقاربة التي تجعل من الاستقلال مكسبا ومعركة متواصلة في ذات الوقت ويعتبر الاقتران بيومي الشباب والاستقلال في تونس رمزاً لترابط الاجيال وتماسكها وتكامل جهودهما في خدمة الوطن والذود عنه والرفع من شأنه. كما يؤكِّد هذا الاختيار المكانة المتميزة التي أولاها الرئيس بن علي للشباب والعمل على تشريكه في بلورة الاختيارات وصنع القرار.
(*) سفير الجمهورية التونسية بالرياض
|