حالة عصيبة من الترقب والحذر تلك التي يستشعرها شعب العراق وهو ينظر في كل لحظة صفارات الانذار وأزيز الطائرات لتبدأ معها مأساة يعلم الله وحده مداها ونتائجها، حتى الأطفال الذين شغلوا بحكم طفولتهم باللهو واللعب سيدركون مدى الفزع عند أول دوي تهتز له قلوبهم الغضة وتتحرك من أماكنها، ترى هل سيكون هناك مجال للسيطرة والبحث عن ملجأ آمن أم ستحترق الأرض من جراء الكثافة الهائلة للنيران التي تستعرضها الولايات المتحدة وتجري عليها- البروفات الأخيرة- كنوع من الحرب النفسية استعداداً لإزهاق النفوس ذاتها. أولى الدروس التي تعلمناها من هذه الحرب- قبل بدئها- زيف ادعاءات الغرب وأمريكا على وجه الخصوص بتسويقها للديمقراطية فهي أول من يتجاهل رأي الأغلبية سواء الرأي العام العالمي أو حتى أغلبية مجلس الأمن مع أن الأساس أن الديمقراطية تقف طائعة أمام الأغلبية لكن الواقع يوضح بجلاء أن المصالح فوق كل اعتبار وطغيان القوة والسيطرة تجعلان مسألة الديمقراطية شعاراً لا ممارسة وأحياناً تكون حججاً لتحقيق الأهداف «وقطف» الثروات وقد تتفكك الأمم المتحدة إذا وقفت أمام الدولة العظمى وهذه رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى النرجسيين المفتونين بالديمقراطية الأمريكية ومسوقيها على حد سواء.
الولايات المتحدة دولة لها أهداف بعيدة المدى تسعى لتحقيقها تدريجياً وإن أخذت خطوات متسارعة في المرحلة الراهنة والملاحظ أنها لا تتراجع أبداً خطوة للوراء مهما كانت الضغوط وحينما تجمهر الآف المعارضين للحرب أمام النصب التذكاري في العاصمة الأمريكية طار الرئيس ليعقد «مجلس الحرب» مع بريطانيا وأسبانيا في جزر «الازور» وسط المحيط بعيداً عن «الديمقراطية» وحيث لا أغلبية تؤثر في قراره.
هذه الحرب- المتوقعة- كشفت معاني كثيرة من المصطلحات وبدأت الإجابات تظهر تدريجياً وإن كانت الأحداث قد تتطور ربما بشكل لم يكن في الحسبان حيث من الصعب تحديد مجريات الحرب ونتائجها ومدتها لكن ستبدأ تفاصيلها حتماً بعد الطلقة الأولى والمتوقع أن يستميت العراقيون في الدفاع عن أرضهم واستقلالهم وهذه ردة فعل طبيعية وسواء سلموا أمرهم وأرضهم «للحلفاء» طواعية أو انهزاماً فالنتيجة واحدة والضرر واقع إلا إذا أفلحت المقاومة في صد القوة العظمى عن التهام العراق.
|