يعد المجتمع السعودي أنموذجاً يحتذى به في مجال العمل التطوعي الذي تترجم المنظمات والجمعيات الخيرية المنتشرة في أرجاء المملكة مفاهيمه وقيمه وأهدافه واقعاً معاشاً وملموساً على أرض الواقع.
وتلقى مؤسسات العمل التطوعي كل الدعم المادي والمعنوي من ولاة الأمر حفظهم الله مما جعلها في مصاف الدول التي طبقت مفهوماً إسلامياً يتفوق على مفهوم المجتمع المدني الذي ساد العالم في الوقت الراهن وأصبح أنشودة تطالعنا في الإصدارات الثقافية والإعلامية.
ولما كان العمل الخيري ذا طبيعة فريدة مستقاة من مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة فقد تنوعت مجالاته الخدمية لتستوعب مجمل الاحتياجات الاجتماعية للمواطنين. وفي هذا السياق تأتي مشاريع ولجان الزواج في المملكة لتؤكد البصيرة النافذة والوعي الكامل بأهمية الأسرة باعتبارها الوحدة الأساس والنواة الاجتماعية الأولى في بناء مجتمع متماسك تسوده العفة، وتقضي على أمراض اجتماعية في مهدها من خلال تحصين الشباب، والحد من ظاهرة العنوسة والتوعية بأحكام الزواج، وتحقيق التوافق بين الزوجين، ودعم الاستقرار الأسري.
ويعتبر تطوير الأداء في لجان الزواج بالمملكة الهدف الأساس لملتقى لجان ومشاريع الزواج الثالث الذي يتشرف برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض له، ومشاركة أصحاب المعالي والفضيلة في ندواته ومحاضراته. والرياض هي المحطة الثالثة في مسار هذا البرنامج التكاملي الرائع.. الذي بدأ فكرة وتطبيقاً وتفعيلاً في محافظة الاحساء منتصف عام 1421ه، وفي رجب عام 1422ه كانت محطته الثانية في جدة، وفيها تم تبادل الخبرات ودراسة سبل التطوير والتفعيل لجميع مسارات العمل باللجان في مختلف المناطق بعد ان خرج الملتقى الأول بمجموعة من التوصيات، ارتكزت على ثلاثة محاور شملت البنى الأساسية لعمل اللجان «الواقع التطوير الإداري وتنمية الموارد».
وتتكئ هذه المسيرة الخيرة في محطاتها المتنقلة بين أجزاء هذا الوطن الغالي على الأهداف النبيلة التي تسعى لجان الزواج في المملكة إلى تحقيقها التي من أبرزها:
1) مساعدة الشباب على الزواج مادياً ومعنوياً.
2) توعية الشباب بأهمية الزواج، وفقه أحكامه، وترشيد نفقاته.
3) تذليل الصعوبات التي تمنع الشباب من الزواج، والإسهام في القضاء على ظاهرة العنوسة.
4) إحياء مبدأ التكافل الاجتماعي بين المسلمين، وفتح المجال لمحبي الخير للمساهمة في اصلاح المجتمع، والمشاركة في ايصال الزكاة والتبرعات لمستحقيها.
وتشير جملة الأهداف سالفة الذكر إلى ان عمل اللجان يرتكز على ثلاث قواعد وهي:
الأولى: تنمية الموارد اللازمة لمساعدة الشباب على الزواج.
الثانية: بث الوعي الثقافي والاجتماعي اللازم لدعم أركان البناء الأسري وحل مشكلاته وتذليل صعوباته.
الثالثة: بيان طبيعة عمل اللجان وأهميتها ومجالات الخدمة والمشاركة في المنطقة التي توجد بها.
وعلى الرغم من ان الموارد المادية تمثل العمود الفقري لعمل هذه اللجان إلا ان تنمية هذه الموارد فضلاً عن المساعدات العينية التي تحتاجها اللجان تتوقف على مدى ما يتوافر لدى المواطنين من قناعات بأهمية الدور الذي تؤديه هذه اللجان والمشاركة الاجتماعية الفعالة في دعم مشاريع الزواج وتكوين أسرة جديدة، ونشر الثقافة الأسرية اللازمة لتقوية البناء الأسري القائم.
إن علم الاجتماع الثقافي يؤكد ان كل فعل اجتماعي في ثقافة معينة لا تقرره فحسب الظروف الموضوعية للموقف، وإنما تقرره كذلك افكار الفرد عن هذا الموقف وعن نفسه، ويقتضي ذلك في مجال عمل لجان الزواج نشر القيم الأساسية التي تسعى إلى تكريسها في السياق الاجتماعي والثقافي للأفراد وذلك من خلال:
أ نشر أنماط الوعي اللازمة للمشاركة في مشاريع الزواج بين أفراد المجتمع.
ب القاء الضوء على طبيعة الدور الاجتماعي والثقافي للجان الزواج في مجال الأسرة.
ج بيان توعية الخدمات التي تقدمها اللجان.
وإذا كان مساعدة الشباب على الزواج مادياً ومعنوياً هو الهدف الأول للجان الزواج فإن تحقيق هذا الهدف يقتضي العمل على تذليل بعض الصعوبات التي تلامس بشكل مباشر العديد من المفاهيم الاجتماعية المتجذرة وتحتاج إلى تعديل أو تطوير يواكب الظروف والمعطيات البيئية الراهنة مثل غلاء المهور.. وغيرها مما يحتاج إلى برامج توعوية ثقافية واجتماعية تقوم بها اللجان لتهيئة المناخ وتوفير الظروف المساعدة في نجاح مهمتها ولا تقل تلك البرامج أهمية عن تنمية الموارد لأنها المدخل الصحيح إلى تقبل وتنفيذ مشاريعها.
إضافة إلى ذلك فإن ثمة العديد من المشكلات الأسرية التي بدأ الحديث عنها في الصحف والبيانات الصادرة عن المراكز المختصة، وتحتاج هذه المشكلات إلى جهود توعوية في مواجهتها والحفاظ على صرح الأسرة القائمة من خلال تقديم الدعم الفكري والثقافي عن مقومات النجاح الأسري والقضاء على معوقات التوافق مما يميز ضرورة مشاركة لجان الزواج وغيرها من مؤسسات المجتمع في تقديم النصح والمشورة والتدخل الاجتماعي المناسب للحيلولة دون الفشل او انهيار أركان الأسرة، وعلى هذا فحجر الزاوية في البناء، والركن الأساس من أجل العمل المعطاء هو الوعي المجتمعي وبغية تفعيل دور لجان الزواج بالمملكة في تنمية الوعي الأسري نقترح:
1) ان تتبنى لجان الزواج على مستوى المملكة اصدار دورية تعنى بشؤون الثقافة الأسرية ومقومات نجاحها ويخصص في هذه الدورية مساحة ملائمة لأهداف الزواج بالمملكة ومجالات الخدمة والمشاركة، وإنجازاتها وأهمية الدور الذي تضطلع به.
2) ان تقوم اللجان في المناطق بعقد دورات تثقيفية للشباب الراغبين في الزواج.
3) ان تعمل اللجان على رفع توصية لجهات الاختصاص بتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية تهتم بشؤون الأسرة وثقافتها ويستعان فيها بذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص من العاملين في لجان الزواج بالمملكة.
4) ان تعمل إدارات اللجان على مد جسور التعاون مع الجهات والمؤسسات في المناطق للإفادة بما لديها من إمكانات على مختلف المسارات.
5) ان تصدر اللجان قوائم في نهاية العام تضم المشاركين سواء بالمساعدات المادية أو العينية أو القائمين على البرامج الثقافية والتوعوية، ويقام حفل تكريم لهؤلاء المشاركين.
6) ان تدعم وتتبنى اللجان البحوث العلمية المتخصصة بشأن الأسرة وسبل اقامة أركانها والمحافظة على دعائمها.
وقبل هذا وذاك ان تلقى هذه اللجان العناية والاهتمام من القنوات الرسمية القائمة على العمل الخيري في المملكة وأخص بالذكر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وانني على ثقة كبيرة بأن معالي وزير العمل أ.د علي النملة يدرك أهمية الأمر ويعي خطورة التصدع الأسري وصعوبة الزواج في المجتمع السعودي أمام الشباب في ظل الظروف المعيشية الصعبة اليوم.
إنني اعتقد جازماً بأننا أشد ما نكون في حاجة إلى ايجاد جمعيات مستقلة عن جمعيات البر تعنى بالأسرة وشؤونها ولتتكاتف الجهود خاصة من قبل وكالة الشؤون الاجتماعية في وزارة العمل، ووزارة العدل ومجلس الشورى ولتجود أيادي اهل الخير والعطاء للوصول إلى آلية فاعلة مدعومة مالياً ومعنوياً من أجل بناء الكيان الأسري الصحيح وضمان استمراره بعيداً عن المنغصات وشبح الطلاق.
|