ابتهلْ، فالسَّماءُ تفتَحُ بابا
ومضيقُ الأسى يَصير رحابا
ابتهلْ صادقاً، تَرَ النورَ يَهمي
وترى ما طلبتَه مُستجابا
أنتَ لا تسألُ العبادَ، ولكنْ
تسألُ الله رازقاً وهَّابا
تسألُ اللهَ قادراً، حين يقضي
بقضاءٍ يطوِّع الأَسبابا
لا تَخَفْ سَطْوَةَ البُغَاةِ، إِذا ما
أشعلوا النارَ فتنةً واضطرابا
جَبَروتُ العبادِ ضَعْفٌ، وإلاَّ
فلماذا لا يَغلبونَ ذُبابا؟!
ولماذا لا يدفعون المنايا
حين تأتي، ويكشفون الحجابا؟!
ولماذا لا يصمُدون، إذا ما
حرَّك البحرُ موجَه الصَّخَّابا؟!
أيُّها الشاعر الذي بات يَبكي
ما لعينيكَ تُخْجِلانِ السَّحابا؟!
كَفْكِفِ الدَّمعَ، واطرد اليأسَ حتى
لا ترى منه أسْهُماً ورِهَابا
كيْفَ تهفو إلى القشور، وعهدي
بك لا تَستطيب إلاَّ اللُّبابا؟
أيُّها السائلُ الحبيبُ، تمهَّلْ
قبل أنْ تُلْبِسَ السُّؤالَ العتابا
آهِ، لو أنَّ ما بقلبي تجلَّى
لك حِسَّاً ولوعةً واكتئابا
لو تأمَّلْتَ ما حَوَى الصَّدْرُ مني
لرأتْ مقلتاكَ قلباً مُذَابا
ورأيتَ الذي يقوم بعذري
في زمانٍ يفرِّق الأَحبابا
آهِ من أمتي، أَلَسْتَ تراها
صَيَّرَتْ قصرَها المُنيفَ خرابا
تتضاغى السِّباعُ حَوْلَ حِمَاها
وهي تبكي لأنَّ قيساً تصابى
ولأنَّ الغرامَ أصبح ناراً
بين أضلاعه تزيد الْتهابا
لم تزلْ أمتي، ترى السيفَ غمداً
وترى جَيْئَةَ العدوِّ ذَهَابا
وترى أَنْجُمَ السَّماءِ ثقوباً
وترى حُمْرَةَ الأصيلِ خضابا
لم تزلْ ترقب الضَّيَاعَ بعين
وبأخرى تراقب السِّردابا
جَلَّ قَدْرُ المهديِّ عن حالِ قومٍ
جعلوا الشَّتْمَ ذكرَهم والسِّبابا
لم تزل أمتي تجِّهز جيشاً
عربياً يُغلِّق الأَبوابا
وتلاقي أعداءَها وهي حَيْرَى
حَسِبَتْهم من جهلها أصحابا
جهَّزَتْ مِزْهَراً وناياً وبُوقاً
لتُلاقي سيوفَهم والحِرابا
طائراتُ العِدَا تَسُدُّ فضاءً
وأساطيلُهم تشقُّ العُبابا
وهي في شاطئ التردُّد ترنو
بعيونٍ لا ترفَع الأَهدابا
حمل المعتدي إليها المنايا
والرزايا وسنَّ ظُفْراً ونابا
رَجموها بكلِّ دعوى، فلمَّا
خضعتْ، صدَّروا لها الإِرهابا
وهي تستعطف الذين رموها
كرعاةٍ يستعطفون الذِّئابا
أيُّها السائل المعاتب، مهلاً
فوجوه الأحداثِ تبدو غِضَابا
لا تَلُمْني إذا رأيتَ القوافي
لابساتٍ من الأسى أَثوابا
أين قومي؟ تلفَّتَ المجدُ يوماً
فرآهم يقدِّسون القِبَابا
ورآهم يصافحون عدوَّاً
لم يزلْ يشرب الدِّماءَ شرابا
لا تسلني عنهم، فَرُبَّ سؤالٍ
حار في شأنه الحليمُ جوابا
ما رمانا وراءَ ظهر المعالي
غيرُ قومٍ يُطاردون السَّرابا
قوَّضوا خيمة الإِباءِ، وباعوا
للأعادي الأَوتادَ والأَطنابا
آهِ يا أمَّةَ الإِباءِ رماني
منكِ سَهْمٌ ما اهتزَّ حتى أَصابا
أنا يا أمتي أحبكِ حُبَّاً
لو تأمَّلْتِه، رأيتِ عُجابا
كم سؤالٍ مُعاتبٍ فيكِ، لمَّا
كشفت وجهَه الصَّبابةُ غابا
آهِ يا أمتي، لديكِ كتابٌ
فلماذا تخالفينَ الكتابا؟
ولماذا لا تَتْبَعين رسولاً
مَلأَ الأرضَ حكمةً وصوابا؟
آهِ يا أمتي، لديكِ صيامٌ
وصلاةٌ تبدِّد الأَتعابا
منبع الطُّهْر في رحابِك يجري
فلماذا لا تغسلين الثِّيابا؟!
أيُّها الشاعر الحزينُ، ترفَّقْ
بقوافيكَ، لا تَزدْها اغترابا
كم صوابٍ في ظَنِّنا، لو رجعنا
للموازين، ما رأينا صَوابا
لو نظرنا لحكمةِ الدَّفْنِ فينا
ما ذَمَمْنَا من الطيور الغُرابا
عَلَّم الناسَ كيف تَحفر قبراً
وعلى لحده تُهِيلُ التُّرابا
تُحْسِنُ الرَّكْضَ كلُّ خيلٍ، ولكنْ
لا تُباري المهجَّناتُ العِرابا
أيها الشاعر المغرِّد، زِدْنا
من قوافيكَ ما يَعِزُّ خطابا
في ضمير الدُّجى، إذا الليلُ أَرْخى
سِتْرَه، وجِّه الدعاءَ احتسابا
مُدَّ كفَّاً إلى السماءِ، تَجِدْها
أخصبتْ من عطائِه إِخصابا
ابتهلْ، يقتربْ إليكَ بعيدٌ
لم تكنْ قبله تظنُّ اقترابا
سترى أنَّكَ الأَجَلُّ مكاناً
وترى أنَّك الأَعزُّ جنابا
علِّمِ الكونَ كلَّه، أنَّ سَهْماً
من دعاءٍ يَصُدُّ عنكَ العذابا
في سهامِ الدُّعاءِ، والليلُ دَاجٍ
قُوَّة، تجعل التَّقيَّ مُهابا