قبل سنوات في الإدارة التي كنت أعمل بها كان هناك بوابة كبيرة تؤدي إلى مستودع للتنزيل والشحن يفترض أن تكون دائماً جاهزة لاستقبال الشاحنات. في كثير من الأحيان يأتي أصحاب السيارات من مراجعي الإدارة أو من غيرهم ويصفون سياراتهم أمامها مما يعيق ويعطل الحركة فكتبنا لوحة (الرجاء ممنوع الوقوف أمام البوابة). من الواضح من البوابة ومن اللوحة أن الناس سوف تكف عن الوقوف لأنه فعلاً مكان لا يمكن الوقوف فيه ولكن بعد أيام اكتشفنا أن اللوحة لم تغير من سلوك الناس، فما زال الناس يوقفون سياراتهم كأنما لا توجد لوحة، فقررنا كتابة لوحة أخرى أقوى وأبلغ (ممنوع الوقوف قطعياً) ثم علقنا اللوحة بشكل أوضح من السابق. وبعد أيام عقدنا اجتماعا لتدارس التداربير اللازمة لمنع الناس من الوقوف نظراً لإخفاق اللوحة الثانية في توصيل الرسالة، وبعد مداولات قررنا أن نضع لوحة بكلام قاطع لا لبس فيه (ممنوع الوقوف منعاً باتاً) على أن تكون باللون الأحمر (لون الدم) في موقع لا يمكن أن تخطئه العين.
لعلكم الآن استنتجتم بفطنتكم النتيجة، تساءلنا: هل الناس ما تفهم؟ ما تعرف تقرأ؟ ما تحترم القوانين إلى هذه الدرجة؟ هل الناس تعاند؟ أم الخطأ منا. هل تصرفنا خطأ عندما حاولنا منع الناس من الوقوف في هذا المكان؟ المشكلة أن هؤلاء الناس لا جنسية لهم، مرة سعودي، مرة شامي، مرة هندي. من كل حدب وصوب كما يقول المثل، لم نجد ثقافة محددة أو جنسية معينة نتهمها بعدم الاحترام، استبعدنا القضية الثقافية والعرقية.
وأخيراً تركنا الموضوع لأننا لا نستطيع أن نعين موظفاً مسلحا يمنع الناس من الوقوف أمام البوابة.
بعد ذلك رحت أتأمل في المسألة برمتها اكتشفت السر، حيث تبين لي أن كلمة (ممنوع) ليس لها دلالة. استهلكت من كثرة الاستخدام لأنها موجودة في كل مكان. تبين لي أن الأصل في حياتنا هو المنع، أي صاحب الدكان أو المشغل أو معرض يحق له أن يضع لوحة طويلة عريضة يكتب عليها ممنوع الوقوف، هذا المكان مخصص لزبائن المحل، يحجز الرصيف لزبائنه بعضهم يضع سياجاً لحجز المكان.
في كل مكان ستجد (ممنوع): ممنوع اصطحاب الأطفال وممنوع الوقوف وممنوع الدخول وممنوع النظر وممنوع الجلوس وممنوع دخول العزاب وممنوع دخول النساء وممنوع وممنوع. في كل دكان وكل صاحب منشأة وكل متطوع ومتبرع يملك الحق في إصدار قانون ممنوع دون الرجوع إلى جهة معينة فتشريع الممنوع حق للجميع. صغيراً كان أم كبيراً رسميا كان أم شعبياً سعودياً كان أم غير سعودي وقد جرت العادة في عالمنا أن مشرع القانون فوق القانون وطالما أن كل الناس تملك حق التشريع فكل الناس إذاً فوق القانون.
(ممنوع) لا تقتصر فائدتها على جلب المكاسب بل تدرأ المشاكل، تدفع بلاوي كثيرة، أهمها الجهل، فإذا كنت لا تعرف فأفضل شيء هو أن تمنع فإذا سألت الموظف ممكن أن آخذ صورة من هذه المعاملة فإذا كان لا يعرف فسيقول على الفور ممنوع.
فكما سبق أن قلت لو كنت في خلاء خال في قلب الربع الخالي وصادفت جندياً وسألته: لو سمحت ممكن ألبق هنا فسيكون جوابه: تحرك الله يهديك ممنوع الوقوف هنا.
فاكس 4702164
|