* الرياض الجزيرة:
عرفت بلادنا منذ وقت مبكر مبادرات شخصية في قطاع التجارة والأعمال كان من ثمراتها قيام شركات أسرية طورت نشاطها واستثمرت مناخ الرعاية الذي توفره الدولة لرجال الأعمال فحققت نجاحات كبرى أدخلت الاقتصاد السعودي مرحلة مشاركة القطاع الخاص في سياسة التنمية.
وقد أدرك جيل المؤسسين في هذه الشركات أهمية التطور والتقدم واستغلال كل جديد في الإدارة والتكنولوجيا وفتح الباب أمام جيل الأبناء والأحفاد لتوظيف علمهم وخبرتهم في تقدم هذه الشركات.
وفي هذا الحوار نلتقي الشيخ محمد عبدالله الجميح رئيس مجلس إدارة شركات الجميح التي تعددت نشاطاتها بين الصناعة والتجارة والوكالات ليلقي الضوء على البداية حتى يستفيد منها الجيل المعاصر ويدرك حجم الصعاب التي واجهت جيل التأسيس كما يلقي الضوء على تشعب آمال هذه المجموعة ودورها في النمو الاقتصادي والصناعي.
* كمدخل لهذا الحوار هل لنا أن نتعرف على بداياتكم الأولى في عالم المال والأعمال؟ متى وكيف وبكم بدأتم؟
البداية كانت بالتدرج حيث كان أجدادنا يمارسون العمل التجاري ومنذ الصغر كنا نساعد الوالد في دكانه بشقراء أنا مع الوالد في دكانه والأخ عبدالعزيز رحمه الله الأكبر مني سنا يسافر مع القوافل التجارية إلى الأحساء والكويت والهند وغيرهما للتجارة.
وكنت أحب الاعتماد على النفس حيث جمعت مبلغاً بسيطاً من العيديات التي أحصل عليها من الأهل وأصدقائهم وأخذت أجمع العصي وأعمل عليها التعديلات اللازمة وأقصها وأبيعها حيث كانت العصا في ذلك الحين من الأشياء الضرورية لكل رجل. وتجمع معي من جراء هذه الأعمال البسيطة مبلغاً لا بأس به حسب مقاييس ذلك الزمان 500 ريال وخشيت أن يغريني ذلك بالانفصال عن الوالد فما كان مني إلا أن أعطيت هذا المبلغ للوالد ليضيفه إلى عمله وبقينا مع الوالد إلى أن توفي رحمه الله وتطورت تجارتنا في شقراء. وانتقلنا مع الأخ عبدالعزيز إلى مكة المكرمة وجدة حيث كانت السوق هناك أوسع وأكثر ازدهاراً وكنا نعمل في مختلف الأعمال التجارية وفي المواد الغذائية والصرافة وانضم أبناء الأخ عبدالعزيز إلى العمل في وقت مبكر، ثم فتحنا فروعاً في الرياض وجدة والدمام وتطورت أعمالنا واتسعت وعملنا في تجارة السيارات كموزعين ثم أخذنا وكالة فورد بعد أن نجحنا في تقديم أسعار لمناقصة حكومية أفضل من الوكيل آنذاك وعندما رأت شركة فورد نشاطنا وخبرتنا التجارية أعطتنا الوكالة وسحبتها من الوكيل وبعد المقاطعة حصلنا على وكالة جنرال موتورز وصارت شركتنا من أكبر وكلاء جنرال موتورز في العالم.
وتنوعت أنشطتنا التجارية حيث شملت مصانع المرطبات التي حازت على جوائز عالمية كأفضل مصانع للمرطبات من حيث الجودة والنوعية والتوزيع وغير ذلك.
وعملنا في تجارة زيوت التشحيم واشتركنا مع شركة شل العالمية المشهورة في إقامة مصنع في الرياض لزيوت التشحيم وحصلنا على شهادات كأفضل شريك لشل في العالم كما شملت أعمالنا تجارة المعدات الزراعية والثقيلة وتجارة الإطارات وتجارة العقار.
وأستطيع القول بأن جميع مجالاتنا التجارية ومشاريعنا ناجحة بحمد الله وذلك بفضل الصدق والأمانة والجدية و الثقة التي نجدها مع من نتعامل معهم وأود أن أنوه في هذا المقام بدور المرحوم الأخ عبدالعزيز رحمه الله فقد كانت انطلاقتنا كما أسلفت سويا وبيد واحدة وإخلاص وكفاح وإيثار وتعاون وبعد وفاة الأخ عبدالعزيز طيب الله ثراه كان أبناؤه الثلاثة محمد وعبدالرحمن وحمد مثالاً للشباب الواعي والجاد وبقينا كلنا يدا واحدة واستمرت الشركة بالانطلاق من نجاح إلى نجاح وأبقينا الشركة على الاسم نفسه وفاء للأخ عبدالعزيز يرحمه الله وتخليداً لذكراه.
وما زالت بحمد الله هذه الأسرة مثالاً للأخوة والتكامل والعمل الجماعي والإيثار واحترام وتقدير الكبير والاستمرار على عاداتنا واجتماعنا نفسها أسرة واحدة وعلى مائدة واحدة وجلستنا الواحدة واستقبالنا اليومي لضيوفنا وأصدقائنا.
* كثر الحديث في السنوات الأخيرة حول الشركات الأسرية ومدى قدرتها على البقاء ونجاحها في المنافسة في ظل الأسواق المفتوحة والشركات العملاقة.. كيف ترون هذا الأمر ومدى أهمية الاهتمام به؟
الشركات الأسرية في المملكة بشكل خاص ودول الخليج بشكل عام منتشرة بشكل واسع وكانت هي العماد الأول في تأسيس التجارة والاقتصاد وظلت على مدى السنين تواكب التطور الحضاري في هذه البلاد.
وأرى أنه مع دخول الأساليب التجارية الحديثة والتوسع والانفتاح على العالم ووجود عوامل اقتصادية عالمية ومراعاة اتفاقيات التجارة الدولية فلا بد من مجاراة هذه الشركات لهذه التطورات وإعادة هيكلة تنظيمها حتى تحتفظ بالقوة والزخم نفسيهما اللذين سارت عليهما.
* كيف ينظر الشيخ محمد بعد التطور والتغير في أساليب العمل ومفاهيم الإدارة إلى انتقال المسؤولية من جيل المؤسسين الرواد إلى جيل المطورين من الأبناء؟
هذا الانتقال لا بد منه لاسيما إذا استفاد الأبناء من خبرات الآباء وعلوم التجارة والإدارة الحديثة ويكون الانتقال تدريجياً بإدخال الأبناء في العمل بالتدرج من القاعدة حتى يتعرفوا على كل عناصر ومقومات العمل وينتقلوا بالتدرج إلى مختلف إدارات وأقسام العمل حتى يلموا ويتعرفوا على أسراره ثم يصلون بطبيعة الحال إلى القمة.
* أنتم تستثمرون في مجال المشروبات الغازية «بيبسي» وتحتفلون بمرور خمسين عاما على وجود هذا المشروب في السوق السعودية.. كيف ترون مساهمة هذا القطاع في نمو الصناعة السعودية؟
هذا القطاع يعدّ من القطاعات المهمة فله باع طويل منذ عشرات السنين بالمساهمة في نمو الصناعة السعودية. فهذه الصناعة متطورة ومتنوعة ولها عدة مجالات صناعية من التعبئة إلى صناعة الغاز إلى صناعة الأغطية وصناعة العلب على تعدد أنواعها وصناعة السدادات وصناعة القوارير وغير ذلك، وهذا كله لا شك يسهم في دفع عجلة النمو الصناعي والاقتصادي.
* وما هي الأسباب التي جعلتكم تختارون هذا المجال للاستثمار؟ ومتى كانت البداية؟
اختيارنا لهذا المجال التجاري كان قديما منذ 50 عاماً عندما كانت المشروبات الغازية تستورد من الخارج بأسعار مرتفعة آنذاك ورغبتنا الطموحة في توفير هذه المنتجات عبر مصانعنا الوطنية وبأسعار منافسة.
وكان مبنياً أيضاً على استشراف المستقبل وبأنه سيكون لهذا القطاع شأن وانتشار واسع وهذا ما حدث بالفعل.
* ما هي في نظركم الجوانب الإيجابية على الاقتصاد الوطني، التي يحدثها تصنيع المشروبات الغازية داخل المملكة بدلاً من استيرادها؟
الجوانب الإيجابية على الاقتصاد من جراء التصنيع داخل المملكة كبيرة جداً ومن أهمها إيجاد فرص العمل للمواطنين وللشباب وتنشيط الحركة التجارية فيما بين المصانع الوطنية وعدم خروج رأس المال الوطني إلى الخارج وكثير من النواحي الإيجابية الأخرى.
* بعض الناس يخلط بين رأس المال الوطني الذي يعمل تحت ماركة تجارية عالمية معروفة، وبين الشركة صاحبة العلامة.. فالكثيرون لا يفرقون بين شركة الجميح للتعبئة وبين شركة بيبسي العالمية.. فماذا تقولون في هذا المجال؟
كما ذكرت يجب التفريق بين رأس المال الوطني العامل في نوع من أنواع التجارة وبين العلامة التجارية العالمية. فصناعتنا وتجارتنا وطنية فمعظم المكونات تصنع محلياً أو تؤمن محلياً مثل بعض أنواع الشراب والسكر والغاز والعلب والأغطية وغيرها ويعمل في هذه المصانع أكثر من ألفي عامل كل هذا يصب في دعم الاقتصاد الوطني.
* وكيف تنظرون إلى الشراكة مع الخبرات الأجنبية وتأثيرها في تطور الصناعة الوطنية؟
الشراكة مع رأس المال الأجنبي لها آثار إيجابية على تطور الصناعة الوطنية خاصة في مجال الخبرة والتطور التقني واستجلاب رؤوس الأموال من الخارج بدلاً من نزوحها من الداخل إلى الخارج وأضرب مثالاً ناجحاً في ذلك شراكاتنا في مجال صناعة زيوت التشحيم. فنحن شركاء مع شركة شل العالمية في هذا المجال وكلكم يعلم ما وصلت إليه هذه الصناعة من تقدم وتطور وهذه الماركة من سمعة طيبة وثقة لدى المستهلك وقد حصلنا على شهادات كأفضل شريك لشل في العالم لمدة أكثر من سبع سنوات متوالية.
* كل صناعة تأتي إلى المستهلك في شكلها النهائي دون أن يعرف المراحل التي مرت بها من دراسات تسويقية وتحسين في التعبئة وتوسع في النقل؟ فما هي تجارب شركتكم في دراسة ذوق المستهلك في منطقتكم؟.. وما هو حجم شبكة النقل لديكم؟
منذ تأسيس المصانع في عام 1375ه ومباشرة الإنتاج الفعلي في عام 1377ه فقد أخذت إدارة المصانع على عاتقها مسؤولية تحديث وتطوير خطوط إنتاجها ومرافقها ومختبراتها وأسطولها لتكون علامة مشرفة في مسيرة الاقتصاد الوطني حيث كان الهاجس الأول هو الارتقاء بالمستوى التقني الذي يضم سلامة المنتجات بشكل أساسي وإيصالها إلى المستهلك بجودة ومواصفات غير مسبوقة.. ولهذه الغاية كرست المصانع أسطولاً كبيراً وحديثاً من سيارات التوزيع لتخدم ما يزيد على 350 خط توزيع تغطي معظم مناطق الامتياز فتميزت بذلك خدمة وتواجدا وأداء.
ولتتويج تلك الإنجازات بنظام جودة عالمي، فقد تمت الاستعانة بشركات استثمارية في مجال الجودة والعمل معهم لتوثيق الأنشطة القائمة بشهادة الأيزو 9002، أما على صعيد الدراسات التسويقية، فقد تم التعاون مع شركة تسويقية متخصصة لترصد سوق المرطبات في المملكة بصفة دورية كي تتم الاستجابة وبشكل فوري لمتطلبات هذا السوق ولرغبات وتوجهات المستهلك من خلال تطوير الخطط الإنتاجية والتسويقية والبيعة.
* مما يشغل قطاع الأعمال في منطقة الخليج العربي التنسيق بين الصناعات المتشابهة.. خاصة إذا وضعنا في الاعتبار حجم السوق الصغيرة نسبياً.. كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟ وكيف يمكن معالجتها؟
نعم هناك تنسيق عربي خليجي ليس فقط على مستوى الصناعات المتشابهة وإنما يتخطى ذلك إلى الصناعات المنافسة خصوصا وأن السوق العربي الخليجي رغم صغره نسبياً إلا أنه من أكبر الأسواق العالمية على صعيد قطاع المرطبات بصفة عامة والسوق السعودي بصفة خاصة.
في الجانب الآخر إذا كان التنسيق بين الصناعات المتشابهة يهدف إيجاد روح المنافسة التي تعتمد على نوعية الخدمة ومثاليتها وجودة المنتجات تعبئة وتغليفاً بالإضافة إلى الطرق والأساليب التسويقية الحديثة فإن ذلك نافع ومفيد للصناعة والمصانع والمستهلك على حد سواء ومن ثم لا توجد هناك طرق للمعالجة.
أما إذا تجاوزت ذلك سياسة الإغراق وحرب الأسعار فإن هناك آثاراً سلبية قد تنعكس ولكن يظل المنتج الذي تتوفر فيه كافة المواصفات والمقاييس هو سيد السوق بحكم جودته ونوعيته.
* ما هي من وجهة نظركم آثار توحيد الجمارك بين دول مجلس التعاون على الصناعات المحلية في كل دولة؟
نتوقع بمشيئة الله أن تكون هناك آثار أكثر إيجابية في ظل التعريفة الجمركية الحديثة خصوصا على الصناعة والصناعات المحلية حيث ستكون هذه التعريفة بمنزلة القوة الكامنة التي ستدفع بالصناعات المحلية نحو التطوير والتحديث للأجهزة والآلات والمعدات كي تستطيع مواكبة واستمرارية إنتاجها بما يمكنها من الوقوف في وجه المنافسة.. وعلى سبيل المثال قيام مصانعنا مؤخراً بافتتاح محطات جديدة لتحلية المياه حيث يندر وجود مثيل لها في المصانع العالمية وذلك في خطوة متقدمة نحو الارتقاء بمستوى الجودة ومن ثم الحفاظ على التواجد بالأسواق عبر الأسعار التي لا تقبل مجالاً للمنافسة.
* الشيخ محمد.. قبل فترة قريبة كنتم موضع تكريم أهل محافظة شقراء لأعمالكم الخيرية ومساهمة أسرتكم في الخدمات الاجتماعية، فهل يمكن أن تسلطوا الضوء على هذا الجانب؟
التكريم كان في حفل كبير فاق الوصف والتصور سواء على مستوى المشاركة والحضور أوالتنظيم والتكريم فقد شارك الكثير من أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة وممثلي القطاعات الحكومية المختلفة والأهالي.. وهذا يعبر عن حب الناس ووفائهم وهذا هو الوسام الذي نفتخر ونعتز به.
* توطين الوظائف هدف استراتيجي للدولة ورجال الأعمال وهو أمر يشغل كل قطاعات المجتمع السعودي.. كيف تنظرون لهذه المشكلة؟ وما هي الحلول من وجهة نظركم؟
لا شك في ذلك والتعاون واجب بين قطاعات الدولة المختلفة ورجال الأعمال في هذه القضية. ونحن ننظر بجدية إلى أحقية المواطن في العمل ولكن كما سبق أن أسلفنا أن الموضوع يحتاج إلى تعاون وصبر وإيجاد منشأ ومعاهد للتدريب يقوم بها القطاع الخاص والجهات الحكومية لتأهيل الشباب السعودي وتدريبه كما يتطلب تضافراً من الجهات الإعلامية والاجتماعية والخيرية لإيجاد الأرضية النفسية والتوعية لذلك.
* ما هي مساهمة شركات الجميح في هذا المجال؟ وهل هناك خطة مستقبلية لهذا الغرض؟
لدينا تعاون مع الغرف التجارية والمعاهد المهنية والفنية ونستقل عشرات الشباب بل المئات من الطلاب ونصرف لهم حوافز لتدريبهم.
* متى بدأتم مشروع تدريب وتوظيف الشباب السعودي.. وما مقدار حجم الإنجاز في هذا المجال؟
ليس هناك برنامج تدريب منتظم بل كما ذكرنا تعاون مع الغرف التجارية ومكاتب العمل والمعاهد الفنية والمهنية.
* الشركات الوطنية مطالبة بالمساهمة في خدمة المجتمع.. نريد أن نعرف مساهماتكم في المجالات المختلفة التي تعود بالفائدة على المجتمع؟
لا نحبذ ذكر المساهمات وتعدادها لأن هذا واجب علينا ولا نقصر إن شاء الله في كل ما يطلب منا وفيما فيه خدمة لمجتمعنا ووطننا. وما حفل التكريم الذي تم مؤخراً إلا شاهد على بعض الإنجازات ولله الحمد.
* الشيخ محمد.. أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم.. لكن أريد أن أعرف كيف توازنون بين مهامكم التجارية وارتباطاتكم الأسرية وواجباتكم الاجتماعية؟
نحمد الله على القيام بذلك والموازنة ضرورية وحسب ما ورد في الحديث الشريف «سددوا وقاربوا - وأعط كل ذي حق حقه».
* ما هي أبرز المواقف التي واجهتكم في مسيرة حياتكم العملية.. وكيف واجهتموها؟
المواقف كثيرة وليس هناك شيء محدد، ولكن تلك التي تتعلق بالأمور الإنسانية فيكون لها أثر كبير في النفس.
* ثم ما هي حكمتكم في الحياة؟
|