منذ سنوات لم أسافر عبر الطريق البري، وكانت اجازة عيد الأضحى، وقتاً مناسباً لتجديد العلاقة مع الصحراء، بكل بهائها وأسرارها، رغم ما في هذه التجربة من عناء، وقد تعين علينا في هذه الرحلة البرية أن نقطع أكثر من ألف كيلو متر من الطريق إلى دبي، مروراً بعشرات القرى والهجر والصحاري التي لو نمت فيها لوجدت نفسك في الصباح وقد تحولت إلى تلة عالية بسبب زحف الرمال، لكن المرور من هذه الصحاري والقفار، فجراً أو مساءً، فيه من المتعة والغموض والأسرار الشيء الكثير، وهو ما جعلني أعذر من يقضون أعمارهم في الإقامة أو التجوال في هذه الصحاري!
المسافة من منفذ «البطحاء» وحتى قلب مدينة «دبي» تزيد على 600 كم.. لكن الطريق كان دولياً بحق، فالاستراحات ومحطات الوقود كثيرة، ومعها سوق حرة في مدخل الطريق وقد نفذت على مستوى من التنظيم والنظافة وتوفر كل ما يحتاجه المسافر ليقطع هذا الطريق بيسر وسهولة، دون أن يتعرض لتلك المنغصات التي تحفل بها بعض الطرق البرية.. ما جعلنا نصل إلى هناك بعد نصف يوم ونحن في قمة الجاهزية لنتجول بقية اليوم في الأسواق والمطاعم والشوارع، ولم أشعر أنني بعدت كثيراً عن الرياض، ما الذي يوجد في الامارات ولا يوجد لدينا حتى ننفر إلى هناك آلافاً مؤلفة عن طريق الجو والبر كلما جاءت مناسبة من المناسبات، التي تخطط لها ادارات السياحة في دولة الإمارات الشقيقة؟ طرحت هذا السؤال في اليوم التالي لوصولي الإمارات، وأنا أجلس مع عائلتي في شارع «المرقبات» ثم في شارع «الرقة» نتفرج على الخلق ويتفرج الخلق علينا..!
وقد وجدت الأسعار هناك عالية من الفندق وحتى المطاعم وأماكن اللهو، ومع ذلك فإن السوق لا يشكو البوار، الكل في شغل دائم، وأبرزهم سائق الليموزين، الذي ركبت بجانبه، واشتكى بحرقة بأنه يكسب كثيراً، ولكنه أيضاً ينفق كثيراً، ولذلك لم ينس بعد أن أصبحنا أصدقاء أن يمد لي رقم جواله ويعطيني اسمه راجياً أن أبحث له عن فيزا للعمل في السعودية، مع تعهده بدفع كافة التكاليف، ففي السعودية على حد قوله كان يأكل مجاناً ويرسل الكثير من النقود لأهله، لكن ما جعله يتركها هو الطمع الزائد للكفيل، وقلة ذمة بعض من تعامل معهم فلهفوا حقوقه مستغلين ضعفه، وقلة حيلته، كونه لا يعمل جهاراً نهاراً، كما هو الحال في الإمارات، ويدفع قيمة عمله هذا، ولكنه يعمل من تحت بشت أو عباءة الكفيل!
ولأنني في البداية سألت: ما هو الفرق فسوف أجيب بأن الفروق قليلة لكنني لاحظت على عجل:
1- هناك جلست مع أفراد عائلتي على الرصيف نتبادل الأحاديث ونأكل ونشرب ونتفرج على عروض فكاهية وتمثيلية دون أن يتعرض لنا أحد بشرٍّ أو خيرٍ، ولا أعتقد أن مواطناً سعودياً يجرؤ في بلادنا على الجلوس مع زوجته وأبنائه في حديقة أو مطعم في نهاية الأسبوع إلا فيما ندر مع أن أحداً لم يمنعه من ذلك حتى أن الحدائق العامة باتت حكراً على غير السعوديين وهو يفعل ذلك في الخارج بأريحية واضحة.
2- الخدمة جيدة في كل مكان، وهو ما جعلنا نبلع الأسعار العالية نسبياً، في بعض الأشياء، والخدمات وليس في كلها.
3- التنظيم الجيد والبسيط، يصادفك في كل مكان، من الشوارع التي تحترم آدمية المشاة، إلى الأسواق ومدن الملاهي.
4- العروض المسرحية، والمعارض المتعددة، وأبرزها القرية العالمية، والكم الهائل من المتاحف، والفعاليات، كلها تجعلك لا تهدأ عن الحركة.
5- النظافة في كل مكان، والرقابة الصارمة على وجودها، في الأسواق والمطاعم والشوارع، ووجود الكراسي والاستراحات، على نواصي الشوارع وفي الحدائق والأسواق.
فاكس: 4533173
|