دلفت إلى قاعة الدرس، الرؤوس الشابة تجلس خلف المقاعد، تختبىء في خجلها، وتضج في عنفوانها...، ليس من شيء يمكنه أن يكبح جماح طموحهن في التعبير عن ذواتهن، لكن الخوف يقرطسهن، حتى إذا ما نزل السؤال كالصاعقة، ارتعدت أطرافهن، ونفضن رؤوسهن، في محاولة البحث عن اجابات، لكن الألسنة تتلعثم خوفاً من الخطأ: لا خطأ، لا خطأ، كل واحدة تدلي بما تملك، جميعنا هنا نتعلم كيف نصوب ما لدينا، هنا... ساحة الركض لكل شاردة وواردة...، تهدأ الرؤوس الصغيرة فوق الأكتاف الناهضة، تشعر كل واحدة بشيء من الاطمئنان...، تفتح كل منهن عينيها إلى أبعد سعة... يتفرسن في وجهها: هل حقاً هي تعني ما تقول؟ هل ثمَّة معلمة قادرة على استيعاب أخطائنا، ومن ثمَّ قادرة على جلد التصويب؟...
وشيئاً فشيئاً، يهدأن...، تلك الفوضى التي بدأن بها في الأسبوع الأول تلاشت شيئاً فشيئاً، تلك الأفواه التي كانت تصخب ضحكاً، وبلبلة، غدت لا تنطق إلاَّ فيما يجيب عن أسئلتها...، ذلك التأخر عن دخول الدرس أصبح لاغياً... المكان هادىء، الشابات يسبقنها إلى حيث الدرس، تلقي بقلمها على الأرض تريد التأكد من سماع وقعه عليها؟!... كلهن مبتسمات، متحفزات، هادئات. لا تنزو عين واحدة منهن في منأى عن حركتها... واتجاه قولها... تسألهن: ما الذي حدث، كيف لهذا التغيير أن يطرأ خلال أسابيع ثلاثة، يأتيها الجواب: إنها الثقة التي كنا نفقدها في علاقتنا بمن تقف أمامنا، كنا نصخب، ونتحرك، ولا نهدأ لتبديد الوقت هرباً من حرج الأسئلة، وتقريع اللوم، وسخرية الجهل الذي كانت توسمنا به معلماتنا... الآن نحن نقول ونجد من يصوب، نصغي لأننا أفراد في خلية جسر أخضر أقمته بيننا وبينك... نصغي برغبة، ونتعلم بحب.
تبسمت هي... وبدأت تقدم لهن خبرات... فيما أضفن هن إليها منها الجديد.
|