لكل فرد منا عالمه الخاص به الذي ينظر منه بنظارته إلى ما سواه ويحكم بمنظاره على ما عداه، وهنا اما يغدق على ما يراه شآبيب حبه أو ينشره بمنشار جهله به.
وفي هذا المنحى فالعامة على حق باتفاقهم علي فرضية ان «كل يرى الناس بعين طبعه»، فمن الصعوبة بمكان الفصل بين قطاف بصر الفرد ورواسب بصيرته بل من المحال عزل نتائج نظراته عن نواتج تنظيراته، فهو بذلك ليس إلا مجرد «راء»: الجمال هو ما تراه عينه جميلاً مثلما ان القبح هو ما يبدو لهذه العين قبيحاً.
اننا بالأحرى نعيش ونحن نمتشق اسلحتنا الشخصية التي سماها العالم نيتشه: «حقائقنا: our truths» وهو بذلك يشير إلى عدم مصداقية التصورات الفردية الاعتباطية/ التعسفية وقصور الافتراضات الشخصية عن تمثيل الواقع الحقيقي بموضوعية وشمولية. إذن فكلنا نفسر العالم من حولنا بمناظير عوالمنا الفردية ووفق مقاسات رؤيتنا الشخصية الضيقة التي يتم اسقاطها قسراً على عالمنا الفسيح لينكمش من جراء ذلك إلى درجة التلاشي وحد الانتفاء.
السؤال إذن: ما هي النتيجة الحتمية حين تجابه حقائقك حقائقي.. وحقائقه حقائقها.. وحقائقنا حقائقهم؟ ما هو مخاض المجابهة التي تشهر سلاح الرؤية الفردية الذاتية الضيقة؟
حسناً يستحسن الاجابة عن ذلك بأسطورة فحواها باختزال ان رجلين قدما سويا إلى منزلين متجاورين لغرض استئجارهما وبعيد أن دخل الأول داره صاح بجاره الآخر متسائلاً عن لون الجدار الفاصل بين الدارين ليجيبه بأن لونه اسود.. فيرد عليه الأول بحدة نافيا ذلك ومؤكدا بأن اللون أبيض وهكذا يعلو صراخهما ويحمي وطيس شجارهما ليتحول إلى معركة شرسة تنتهي أحداثها بموت كليهما.
هنا فلو عدنا واختبرنا صحة ما ادعاه كل منهما من لون لوجدنا ان كليهما كان على حق في توصيف اللون الذي رآه من جهته حيث انه قد حدث ان الجدار قد تم صبغه باللون الأبيض من جهة وباللون الأسود من الجهة الأخرى.. فأين إذن يكمن الخطأ القاتل الذي أدى إلى قتلهما..؟
انه ببساطة يكمن في حقيقة احجام كل منهما عن التبصر في طبيعة حقائق الآخر.. فلو فعلا ذلك لتجلى لهما الصواب الذي يتعين رغم فوات أوانه- بضرورة التبين والتمعن والتمحيص .. أو بالاختصار: بالرويّة إلى أن تتضح الرؤية.
|