* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد الرماح:
في حديث خاص له مع الجزيرة عرض الدكتور مصطفى إسماعيل عثمان وزير خارجية السودان لتقييم الدول العربية للموقف الحالي بالنسبة للأزمة العراقية وسيناريوهات الوضع المستقبلي لهذه المسألة وللموقف العربي الراهن ولتفاصيل المفاوضات الجارية مع الحركة الشعبية في السودان والمناصب التي سيتقلدها جون جارانج في حالة التوصل الى سلام بالجنوب، وقلل عثمان من مخاوف الدول العربية خشية أن تذهب مساهمتهم في إعمار الجنوب الى أيدي المستمرين عقب الاستفتاء على انفصال الجنوب بعد مرور 6 سنوات كما عرض لتطورات علاقات بلاده مع الولايات المتحدة وأسباب تغيير الإدارة الامريكية الاستراتيجية تجاه السودان والى تفاصيل الحوار.
* بداية ما هو تقييمك للوضع العربي الراهن على ضوء الاحداث الجارية؟
- الوضع العربي للأسف ضعيف ولكن من الخطأ أن نقول إنه في الصفر او تحت الصفر لأن هذه العملية نتائجها سلبية وتسقطنا في عملية جلد الذات ويصبح مؤشرا سلبيا يحبط أي محاولة لتنشيط وتفعيل الوضع العربي ولكن مع هذا هناك علامات صحية موجودة كالتحركات التي أجرتها الجامعة العربية على صعيد مجلس الامن وفي المحافل الدولية بخصوص المسألة العراقية وأعتقد انها ساهمت حتى الآن في تأخير العمل العسكري الذي توقع البعض أن يتم في شهر نوفمبر الماضي كما قادت مصر والسعودية تحركات مشابهة للتحذير من اخطار هذا العمل على المنطقة وأعتقد ان اجتماع وزراء الخارجية قد حدد الحد الادنى للموقف العربي الذي يمكن أن يكون مقبولا الا انه لا بد من إعادة تقييم الوضع العربي على ضوء الانشقاق الحالي بين دول المجموعة الاوربية ليكون أكثر وضوحا وتأكيداً على رفض الضربة العسكريةعلى العراق، وفي الوقوف مع معسكر السلام والمعالجة السلمية ودعم جهوده حتى تتلبور حوله مبادرات السلام وليس معنى هذا ان نقاطع الاطراف التي تجنح نحو المعالجة العسكرية بل على العكس يجب أن نكون على اتصال معها ونواصل الحوار.
* ماهي احتمالات فرص وقوع الحرب على ضوء مجمل هذه التطورات ؟
- نحن نرى نذر الحرب أمامنا والرأي العام الدولي لم يتوار بل يزيد من رفضه للعملية العسكرية وهناك معارضة قوية للحرب دوليا وشرخ لأول مرة واضح في المعسكر الغربي بخصوصها خاصة أن المفتشين يقومون بعملهم بنزاهة في ظل تعاون من جانب العراق وبالتالي يجب أن يتم الضغط في اتجاه اتاحة الفرصة للمفتشين، ولكن هذا لا يمنع امكانية اتخاذ الولايات المتحدة خطوات فردية القيام بالعملية العسكرية ولكن هذا سيجعلها معزولة دوليا واقليميا وبالقطع سيكون العراق أكثر جرأة في المقاومة على اعتبار ان هذه العملية ليست لديها غطاء دوليا وستكون الدول العربية وغيرها أكثر تحررا في رفض هذه العملية ومواجهتها الافراد الذين يتم اتهامهم بالتطرف وسيلة في ايديهم يستندون عليها بأنه اذا كانت هناك دولة كبرى تخرج على القانون والشرعية الدولية وتتخذ قرارات فردية فمن الذي يمنع هؤلاء الشباب ان يتخذوا القانون في أيديهم ايضا ويتخذوا اجراءات فردية سواء كانوا أفرادا أو مجموعات.
* لكن ماهو تصورك للوضع العربي العام اذا فشلت الجهود المبذولة لإثناء الولايات المتحدة عن وجهتها؟
- إذا نجحت الضربة الامريكية على العراق فإن المنطقة ستتحول الى فوضى عامة، اما اذا كانت هناك مقاومة عراقية واستطاعت الصمود أمام هذه الضربة ستجد هذه المقاومة مناصرة وبالتالي ستتحول المنطقة العربية كلها الى ساحة ضد هذا العدوان الذي لا يجد شرعية أو غطاء وعموما لا يستطيع احد التكهن بالضبط ماذا سيحدث من تداعيات في حالة الضربة العسكرية خاصة اذا ما تمت خارج غطاء الأمم المتحدة.
* هل هناك رؤية معينة مطروحه لعلاج هذا الوضع العربي المتردي؟
- قدم السودان ورقة عمل لعلاج الوضع العربي الراهن وكان من المفروض أن يتم رفعها الى القمة العربية الى جانب ورقة مقدمة من المملكة العربية السعودية وتستند الورقة السودانية على ثلاثة مرتكزات الاول يقوم على أهمية وضرورة تنفيذالقرارات والاتفاقيات الموقعة بين الدول العربية بما فيها اتفاقية الدفاع العربي المشترك ومعاهدة عدم الاعتداء والثاني يتناول العلاقة بين الجهازين الرسمي والشعبي بمعنى انه من المهم في هذه المرحلة اقناع المواطن العربي بأن هناك ضرورة لكي يضحي ويساهم بجهوده في هذه التضحية التي قد يكون ثمنها من حريته أو أمنه أو ضرائب تفرض على ماله وبالتالي يجب ان يقتنع المواطن بأن هناك ما يستحق هذه التضحية ولكي يقتنع بهذه التضحية وبالاجراءات الاستثنائية لا بد ان تكون هناك شفافية وان يتم تقليص الهوة بين الجهاز الرسمي والشعبي داخل كل دولة على مستوى الوطن العربي كله واعني بهذا مشاركة واسعة بالنسبة للرأي العام العربي في مشكلات الامة وشرح واف لمصادر التهديد التي تواجه الامن القومي العربي وازالة كل العقبات التي تؤدي الى هذا الانفتاح والشفافية بين الجهاز الرسمي والشعبي، أما المرتكز الثالث فيسعى الى ايجاد تضامن عربي حقيقي فمثلا عندما بدأت الدول العربية تتحد كانت هناك دول ضعيفة كايرلندا ولكن الدول التي تمتلك الثروة تحملت العبء لكي تنهض بتلك المجتمعات الفقيرة حتى وقف الجميع على قدم المساواة وهذا هو المطلوب بالنسبة لعالمنا العربي وبالتالي لا بد من وجود تضامن عربي ونظام حقيقي يقوم على المساواة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا حتى يشعر كل مواطن عربي انه معني بأمر أخيه وان أي تهديد لدولة عربية هو تهديد لجميع الدول العربية ويؤدي هذا الى توحيد الدول العربية.
* إلى أين وصلت العلاقات السودانية الاريترية في هذه المرحلة؟
- علاقتنا مع نظام الحكم الاريتري وصلت الى أسوأ حالاتها بميول مزاجية الشعب الاريتري بعد 30 عاما من النضال للخوض على الاستقلال في حروب عسكرية متتالية ضد جيبوتي واليمن وإثيوبيا والسودان .
* وما هى الاسباب التي دعت أسمرة للدخول في هذه المواجهات؟
إريتريا تشبه الى حد كبير إسرائيل من حيث صغر المساحة وعدد السكان وكونها تقع في منطقة استراتيجية جغرافية فهي بنت إسرائيل نفسها للقيام بأدوار نيابة عن القوى الكبرى والنظام الاريتري يعتقد انه يستطيع القيام بنفس هذا الدور وينسى ان الشعب الاريتري يختلف عن الشعب الاسرائيلي الذي هو أساسا غريب عن المنطقة ومن الصعب عليه ان يطبع مع شعوب المنطقة وبالتالي يشعر انه مستهدف مما يدفعه للتعامل مع الحكومة ومساندتها في القيام بهذا الدور الخارجي اما الشعب الاريتري فهو جزء من نسيج هذه المنطقة الشعبي وتتشابك وتتفاعل قبائله مع القبائل الحدودية بالسودان وإثيوبيا واليمن وجيبوتي لأنه جزء من هذا النسيج لا يمكن أن يقبل بهذا الدور الخارجي الذي يسعى النظام الاريتري القيام به ليكون بمثابة مخلاب قط للآخرين ولكن تبقى المشكلة الى أنه ليست لديه استراتيجية واضحة فنجده يتدخل في الشئون الداخلية لدول دون أن ينظر إلى تحالفاتها كما فعل مع السودان رغم ما يتمتع به من عمق عربي وافريقي وكذلك مع اثيوبيا بعلاقاتها الوثيقة مع الغرب وأيضا مع اليمن وهو ما انعكس عليه سلبا بعلاقاتها الوثيقة مع الغرب وأيضا مع اليمن وهو ما انعكس عليه سلبا.
* هل يعني هذا ان كافة جهود الوساطة قد فشلت؟
- لقد حاولنا معالجة هذا الوضع عبر طريق ثالث من خلال ليبيا وقطر ولكن هذا النظام ينكر تدخله في الشأن السوداني ويدعي ان المشكلة سودانية رغم أنه يفتح معسكرات لقوات المعارضة في مناطق ساوة وغيرها على الحدود وهي معسكرات للمعارضة السودانية والاثيوبية في نفس الوقت ويحاول استخدام الاراضي السودانية لعبور المعارضة الاثيوبية.
* ما هو التجمع السوداني الإثيوبي اليمني وهل هوموجه ضد اريتريا؟
- هو تجمع اقليمي لتطوير التعاون بين الدول الثلاث في الجانب الاقتصادي والسياسي حفاظا على الامن والاستقرار بهذا الاقليم ويجمع الدول الثلاث لانها متضررة من النظام الاريتري ولذلك نناقش العدوان الاريتري المستمر في حق هذه الدول عسى أن يحترم الامن الاقليمي ويتوقف عن التدخل في شئون دول الجوار وان يحترم شعبه ويتعامل بعقلية سياسية في معالجة مشكلاته بدلا من ان يصدرها للآخرين وكل ما نرجوه ان يبقى في حدود وأن يبتعد عن المسألة السودانية.
* وما هو الرؤية المستقبيلة لهذا التجمع؟
- لم يتبلور بعد الشكل النهائي لهذا التجمع وقد يطرح هذا الموضوع على الاجتماع الوزاري القادم في آخر يونيو باليمن وخلال اجتماع القمة في نهاية هذا العام بأديس أبابا حيث لا توجد لهذا التجمع لوائح او معاهدة تأسيسية حتى الآن ولكن يسير حاليا في هذا الطريق وينبثق عنه ثلاث لجان سياسية وإعلامية واقتصادية وتجارية وثالثة امنية وتعمل اللجان الثلاث حاليا على بلورة رؤية مستقبيلة لهذا التجمع بالفعل.
* فوجئ الجميع بخروج اتفاق ماشاكوس للوجود فما هو السبب الذي جعل الحكومة تتفاوض سرا مع الجبهة الشعبية حتى بدون علم مصر؟
- على العكس مصر كانت على علم بهذه المفاوضات غير أن لديها موقفا ومازالت مصرة عليه رغم أننا أبدينا رغبتنا في ان تشارك في مفاوضات نيروبي ولكنها ذكرت انها لكي تشارك لا بد ان تتوافر نقطتين الأولى ان تشارك على قدم المساواة مع كينيا والثانية ان تكون المبادرة المصرية الليبية موجودة وقد رأينا من جانبنا انه من الأفضل ان تشارك مصر حتى ولو كان على مستوى المراقبين كما تفعل الولايات المتحدة ولكن مصر رفضت وفضلت مساندة المفاوضات من الخارج.
وأود أن أؤكد هنا ان الحكومة المصرية كانت على علم بالمفاوضات التي كانت تجري في ماشاكوس قبل الاعلان عنها كما كانت على علم بتفاصيل البرتوكول الذي تم التوصل اليه غير أننا لم نبلغها بمواعيد ومكان التوقيع.
* هل فترة الست سنوات قبل إجراء الاستفتاء المقررة بالجنوب كافية أمام الحكومة لإزالة جروح ومرارات الحرب التي تجرعها ابناء الجنوب؟
- المطلوب ان نحاول والا تقتصر المحاولة على الحكومة أو الجامعة والمجتمع الدولي فاتفاق ماشاكوس يقوم على أن الوحدة هي الخيار المفضل وان الاطراف المختلفة ليست حيادية في موضوع الوحدة كالحكومة والحركة الشعبية والمشاركين من أفراد المجتمع الدولي وسنبذل خلال الست سنوات غاية ما نستطيع حتى تنتهي الفترة الانتقالية بإقرار الوحدة ولكن تبقى كل الاحتمالات واردة.
|