لا تحتاج العرب - قطعاً - إلى حكيم سياسي آخر
ولن تتغير الأمور -كثيراً أو قليلاً- إذا اضفنا حبراً سياسياً جديداً إلى أنهار الحبر - المتدفقة - ب «الحكمة» التاريخية أو التحليل السياسي.
المشهد مضطرب، واللغو متزاحم، والتيه ممتد، والمراء مضطرم.. وظاهر.
تنهيدة المشاهد أمام الشاشة التلفزيونية متقطعة متلاحقة لا يستمتع فيها حتى بالوصول إلى الأعماق.
وحملقة القارئ في المقال والسؤال والخبر مضطربة متوترة.. متأزمة، لا تجد شفاءً للغليل.. يرتد النظر بعدها خاسئاً وهو حسير.
الآمال خائبة، والآفاق داكنة، والثقة مفقودة، والوجهة غائبة، وأطواق النجاة مثقوبة، والضفاف متنائية، وكل البلاغة المطمئنة.. لها رنين خاو، باهت.. كأنها حشرجات موت ضنين.
ومع ذلك فكأننا كلب «بافلوف» الشهير، ننهض تلقائياً إلى الكتابة والنقاش، والحديث، والمراء عند صدور الاشارة.
نحن العرب المتهمشين رماداً ب«طاحونة» الألفاظ والعبارات.
نحن «المتحللون» حتى عُمق الأسيد في التأطير النظري، والمناظرات العقيمة.
نحن الهائمون في «التيه» العظيم، المبحلقون في «منازل» النجوم التي تاهت عن منازلها، وعن نفسها،وهرب منها، ومضها السحيق الذي كان يبعث بعضاً من أمل في «المهتدين».
نعم، سوف ينتزعنا جرس الكلمات من مخادعنا، ويركلنا في مؤخراتنا شبق المناظرة القادمة، و«يخزنا» فيما بين ضلوعنا نغم نشرة الأخبار في التاسعة أو عند الخامسة والعشرين.
وسوف نستمر في قضاء، سهراتنا، أو لقاءاتنا العابرة، مستغرقين في تبادل «التحليلات» و«المعلومات» أو تكرارها، واسترجاعها.
ولكننا، ننظر إلى بعضنا، كأننا في غرفة، جدرانها مغلفة ب«المرايا» ونستمع إلى بعضنا، كأننا نسترجع صدى أصواتنا، وندور حول «تحليلاتنا» كما تدور «ثيران» الرحى.
كأنما لا شيء جديداً، يثير أو كأنما، لا شيء حقاً يهم.
حتى، نحن، المتهمون ب«الكلام»، لم، يعد، الكلام يقترب بنا من «الذروة»، أو يحقق لنا، بعضاً من إشباع ورضا.
غادرتنا «الأفعال» منذ زمن بعيد، وها نحن الآن مهددون، في عمقنا بفقدان النشوة في الكلام، هل هي بداية الاصابة المباركة ب«الصمت» الرهيب، المخيف، والإقلاع عن «اللغو» القديم البديد؟
|